12:33 2022/09/28
02:41 2021/11/02
08:35 2021/01/19
السردية الوطنية الغائبة في المعركة
قبل 13 ساعة و 16 دقيقة
المعارك الكبرى لا تُحسم في ميادين القتال وحدها، بل تحسم أيضًا في ساحة الوعي والفكر والثقافة، وفي معركتنا مع الكهنوت السلالي الحوثي، كان يفترض أن تكون السردية الوطنية الفكرية والثقافية سلاحًا مكملًا للبندقية، وصوتًا يوازي هدير المدافع.
لكن ما حدث أن هذه السردية غابت أو غُيبت، فتركت فراغا خطيراً، استغلته جماعة الحوثي ومراكز مشبوهة لتسويق سرديتها وإعادة صياغة الصراع بطريقة مضللة.
لقد عجزنا حتى الآن عن تقديم خطاب فكري وثقافي جامع يوضح للعالم أن ما يجري في اليمن ليس نزاعًا سياسيًا عابرًا ولا خلافًا يمكن تسويته بمفاوضات شكلية، بل هو معركة وجودية ضد مشروع سلالي عنصري متجذر في التاريخ الإمامي الزيدي.
هذا الغياب منح خصومنا فرصة ذهبية لتقديم سردية مزيفة تفصل الحوثية عن جذورها الكهنوتية وتمنحها ملامح كيان طبيعي يمكن التعايش معه.
الأخطر أن هذه السردية لم تُصنع للداخل فقط، بل صيغت بعناية لتُقدم للنخب وصناع القرار الإقليمي والدولي.
فحين يخرج باحث أو مركز دراسات ليقول إن الحوثية تختلف عن الإمامة الزيدية ويحاولون إلصاقه بنظرية الولي الفقيه بعيداً عن امتداده الكهنوتي السلالي الزيدي، أو إن الصراع في اليمن مجرد نزاع داخلي قابل للتسوية، فهذا ليس تحليلًا بريئًا، بل تضليلاً متعمداً يمهّد لشرعنة المليشيا ويخلط الأوراق ويضعف الشرعية.
إن معركتنا الفكرية والثقافية لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية، نحن بحاجة إلى سردية يمنية أصيلة تنطلق من هويتنا الوطنية الضاربة في عمق التاريخ، من سبأ وحِمير وقحطان، وصولًا إلى ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
سردية تُبرز انتماءنا العربي والإسلامي وتؤكد أن اليمن لا يمكن أن يكون ذيلاً لمشروع فارسي دخيل.
سردية تستحضر ذاكرة اليمنيين التي عرفت الإمامة كأداة للاستبداد، والزيدية كفكرة وإيديولوجيا للسيطرة السلالية، وتكشف أن الحوثيين اليوم ليسوا إلا نسخة جديدة من ذلك الامتداد.
الوعي الشعبي المقاوم يمثل جوهر هذه السردية، فالتضحيات التي قدمها الجيش والمقاومة والشهداء والجرحى والمختطفون هي الشاهد الحي على رفض اليمنيين للإمامة والكهنوت السلالي الزيدي، وهي الدليل العملي على أن هذه الأرض لا تقبله ولن تتعايش مهما طال أمده.
المسؤولية هنا تقع على النخب الثقافية والإعلامية والفكرية، فالصمت أو التردد يترك المجال فارغًا ليملأه الآخرون بسرديات مزيفة.
علينا أن نصوغ خطابًا وطنيًا صريحًا يواجه التضليل، ويعيد الاعتبار لمعركتنا كمعركة وعي وهوية قبل أن تكون معركة سلاح، وفق المحددات الوطنية لا وفق هوى المستضيف أو تأثير الجلساء والأصدقاء.
السردية الغائبة ليست ترفًا، بل هي جبهة أساسية من جبهات التحرير، وإذا لم نملأ هذا الفراغ فإن خصومنا سيواصلون تسويق أكاذيبهم وإعادة تدوير خطاب الكهنوت بوجه ناعم.
إنها ببساطة معركة وعي، معركة بين الحقيقة والتضليل، بين الجمهورية والإمامة، بين مشروع وطني جامع ومستقبل حر، وبين ماضٍ سلالي مظلم لا يعرف سوى الاستعباد وإعادة إنتاج الكهنوت السلالي الزيدي المقيت.