كابوس متجدد.. لماذا تخشى المليشيا ذكرى ثورة سبتمبر وسط احتفالات اليمنيين؟

  • هاشم علي - تقرير خاص
  • 10:01 2025/09/15

مع اقتراب ذكرى ثورة 26 سبتمبر لهذا العام، التي ارتبطت في الوعي اليمني بالتحرر من الإمامة وبناء دولة المواطنة، تتجه الأنظار مجددًا إلى ممارسات مليشيا الحوثي في العاصمة المختطفة صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرتها؛ فبينما كانت الثورة وعدًا بالحرية، تُعيد المليشيا إنتاج منظومة قمعية أكثر تشابكًا، مستندةً إلى جهاز الأمن والمخابرات، وأذرع أمنية متعددة تمكّنها من إحكام قبضتها على المجتمع.
 
فمنذ مطلع سبتمبر الجاري، يحتفي اليمنيون بذكرى ثورتهم الخالدة بطرق تتجاوز قبضة الحوثيين الأمنية، وبدلاً من الميادين المغلقة والمسيرات المقموعة، انتقلت الاحتفالات إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث يرفع اليمنيون صور العلم الجمهوري، ويتداولون أناشيد وطنية، ويكتبون عن لحظة الخلاص من الحكم الإمامي.. الأمر الذي حول الذكرى إلى مهرجان وطني مفتوح، يُجدّد روح الثورة، ويضع الحوثيين أمام تاريخ لا يستطيعون طمسه.
 
وفي كل عام، يتحول الفضاء الإلكتروني إلى ساحة مواجهة مباشرة مع الحوثيين؛ فالهشتاقات التي تكتسح المنصات، وصور العلم الجمهوري التي تنتشر بكثافة، توحد اليمنيين في جبهة رقمية عابرة للجغرافيا.. هذا الزخم الشعبي يربك المليشيا، ويكشف مدى الرفض الشعبي للمشروع الحوثي، ويضع المليشيا أمام حقيقة أن روح سبتمبر لا تزال حية وقادرة على تحريك الناس.
 
 
احتفالات واسعة
 
بينما تشعر المليشيا بالرعب من احتفالات اليمنيين، سخرت مجموعة من ناشطيها لمحاولة السيطرة على الرواية العامة حول ذكرى ثورة 26 سبتمبر، عبر مراقبة حسابات اليمنيين، وحذف المنشورات الاحتفالية، ونشر رسائل تهديد مباشرة للناشطين الذين يبرزون الاحتفالات أو ينتقدون سياسات الجماعة.
 
ورغم الحملات الرقمية التي تقودها مليشيا الحوثي بهدف بث الخوف وإضعاف التفاعل الشعبي، لكنها عادة تصطدم بصمود اليمنيين الذين يواصلون مشاركة صور رموز الثورة، مؤكدين أن ذكرى ثورة 26 سبتمبر لم تعد مجرد يوم في التقويم، بل ساحة نضال يومية في وجه الإمامة الجديدة.
 
ويُبدع عشرات الكتاب اليمنيين في تحويل سبتمبر إلى منصة لمقاومة ناعمة؛ حيث يستخدمون السخرية من الجماعة، ويعيدون نشر قصص من زمن الإمامة لتذكير الناس بأن الحوثيين ليسوا إلا نسخة أشد قسوة من الماضي.. هذه السخرية تُربك المليشيا وتضعف هالتها المصطنعة.
 
هكذا يتجدد خوف المليشيا أمام احتفالات اليمنيين، إذ تدرك المليشيا أن هذه الحملات الرقمية ليست مجرد "ذكرى عابرة"، بل هي مؤشر على وعي متنامٍ، وقدرة كامنة على تحويل الزخم الافتراضي إلى فعل واقعي، لهذا يتعاملون مع سبتمبر ككابوس متجدد، لأنه يعيد للأذهان لحظة سقوط الإمامة، ويُذكر الشعب بأن انقلاب المليشيا على الدولة وسيطرتها على المؤسسات بقوة السلاح لن يدوم أمام إرادة اليمنيين.
 
وفي هذا السياق، يقول ناشطون إن منصات التواصل الاجتماعي تحولت إلى خزّان لذاكرة اليمنيين الجمعية، تحمي قيم سبتمبر من التشويه وتحملها إلى الأجيال الجديدة، مؤكدين أن هذه الذاكرة ترعب الحوثيين، فكل منشور يحمل علم الجمهورية، وكل تغريدة تهتف باسم سبتمبر، هي رصاصة رمزية في جدار الإمامة الجديدة.
 
 
 
سبتمبر.. وعد التحرر
 
سنويًا، تشعر المليشيا الحوثية بعزلة متزايدة على المستوى المحلي خلال سبتمبر المجيد، إذ يتكشف الصدام الجذري بين مشروعها السلالي الكهنوتي وتطلعات اليمنيين إلى الحرية والعدالة والمواطنة.. وهو ما يجعل الجماعة تعتمد بشكل مكثف على القوة العسكرية والقبضة الأمنية، عبر حملات الاختطاف والترهيب وملاحقة المعارضين، في محاولة فاشلة لفرض سيطرتها وطمس صوت الثورة.
 
"الساحل الغربي" يرصد آراء المواطنين في مدينة تعز، ويتساءل "لماذا تخشى مليشيا الحوثي ذكرى ثورة 26 سبتمبر"، يُجيب عبدالسلام الشرعبي: "المليشيا تخشى ثورة سبتمبر لأنها تعني نهاية الكهنوت، فهي تشكل لحظة فارقة في التاريخ اليمني للقضاء على الحكم الإمامي والاستبداد الذي عاشه ويعيشه الشعب اليمني".
 
ويؤكد: "في الحقيقة تعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر قنبلة قاضية على الإماميين، أنهت سنوات التخلف والجهل.. ما يعيشه الحوثيون اليوم من قلق وفزع هو دليل واضح أن اليمنيين يرفضون مشروعهم السلالي، وسيأتي اليوم الذي يتخلص الشعب اليمني من المليشيا ويستعيد الدولة والجمهورية ويمضي قدمًا بإذن الله".
 
من جهتها، تشير مروى الوافي، إلى أن إجراءات المليشيا بالتزامن مع قدوم ذكرى ثورة 26 سبتمبر، تفضح عجزها عن مواجهة إرادة الشعب اليمني، وتجعل سبتمبر مناسبة تضاعف الضغط على الجماعة وتكشف هشاشة مشروعها السياسي.
 
وتؤكد الوافي لـ "الساحل الغربي" بأن "ثورة سبتمبر.. وعد التحرر، إذ لم تكن مجرد حدث سياسي، بل تحوّلت إلى محطة مفصلية في تاريخ اليمن.. رفعت شعار إسقاط الحكم الإمامي وبناء دولة حديثة قائمة على المواطنة المتساوية والتعليم.. وفي خطابها، كانت المرأة رمزًا للمستقبل الجديد، لا أداة للهيمنة".
 
 
 
 
استنفار المليشيا
 
تفيد مصادر خاصة لـ "الساحل الغربي" أن الحوثيين في محافظتي صنعاء وإب كثفوا من انتشارهم في الشوارع والأحياء، ورفعوا وتيرة الدوريات الأمنية، خصوصًا مع اقتراب ذكرى 26 سبتمبر.. هذا الانتشار يشمل نقاط التفتيش الثابتة والمتحركة، مع استنفار جميع الأجهزة الأمنية لضبط أي مظاهر احتفالية أو تعبير عن التطلع إلى الحرية، بما يعكس استراتيجية الجماعة القائمة على الرعب والإخضاع.
 
وفي الوقت نفسه، يبرز حضور "الزينبيات" كأداة رئيسية في إعادة إنتاج أساليب القمع السابقة بصيغة حديثة، فالمليشيا لا تكتفي بالقوة العسكرية، بل تحول دور المرأة اليمنية التقليدي من صمام أمان اجتماعي إلى جهاز أمني وسياسي يفرض الرقابة، ويراقب الاحتفالات والمظاهر العامة، ويشارك في الحملات الأمنية، ما يجعل الذكرى الوطنية محطة صدام يومي بين إرادة الشعب اليمني والهيمنة الحوثية.
 
وعن تناقض المليشيا مع قيم سبتمبر، توضح ناشطات أن ثورة 26 سبتمبر نادت بالتحرر من الكهنوت الإمامي وفتحت المجال أمام مشاركة المرأة في التعليم والعمل، بينما يعيد الحوثيون إنتاج صورة معكوسة، حيث يوظفون النساء لتثبيت حكمهم، ويجعلونهن واجهة لانتهاكات لم يعرفها اليمن حتى في أحلك مراحله، فالتناقض صار واضحًا من تحرير المجتمع إلى استعباده، ومن حماية المرأة إلى تسليحها ضد بني جلدتها.
 
وبحسب المصادر فإن نشاط "الزينبيات" لم يعد محصورًا في المداهمات أو التفتيش، فقد تمدد إلى المدارس والجامعات، وحتى المنصات الرقمية، حيث ينشط قسم "الجيش الإلكتروني" لاستدراج معارضين والإيقاع بهم.. هذه الأدوار تمثل محاولة حوثية لاستخدام المرأة كوسيلة اختراق ناعمة لمجالات ظلّت عصية على جهاز الأمن والمخابرات.
 
ويرى مراقبون أن دور "الزينبيات" يتجاوز حدود الميدان الأمني، ليشكل استراتيجية بعيدة المدى في مشروع الحوثيين، هدفها إعادة تشكيل المجتمع اليمني من الداخل؛ ومع حلول ذكرى 26 سبتمبر، يتجدد السؤال: هل ستستعيد اليمنيات دورهن التاريخي كحاميات للبيت والكرامة، أم ستظل هذه المكانة رهينة للممارسات السياسية والأيديولوجية؟.

ذات صلة