سيول أغسطس في اليمن.. كارثة إنسانية تكشف هشاشة البنية وتضاعف المأساة

- عدن، الساحل الغربي:
- 08:33 2025/08/25
على وقع أمطار موسمية غزيرة لم تشهدها البلاد منذ عقود، تحولت شوارع اليمن وسهوله إلى أنهار جارفة ابتلعت البشر والمنازل والمخيمات.. ومع غياب البنية التحتية وخطط الطوارئ، ارتفعت حصيلة الضحايا والأضرار في مشهد مأساوي يختزل هشاشة الواقع اليمني المنهك بالحرب.
منذ منتصف أغسطس، بدأت موجة الأمطار تضرب المحافظات الشمالية والساحلية والجنوبية؛ وفي مشهد لم تعرفه عدن منذ ثمانينيات القرن الماضي، اجتاحت السيول القادمة من لحج مناطق الحسوة وبئر أحمد، جرفت السيارات وأغرقت المنازل؛ سيارة كانت تقل سبعة أشخاص ابتلعتها السيول، نجا ثلاثة وظل مصير الآخرين مجهولاً، قبل أن يُعثر على جثة أحدهم لاحقاً على ساحل الحسوة.
في شبوة، غمرت السيول مديريات بيحان وعسيلان والطلح، فخلفت ستة قتلى بينهم أطفال، وجرفت سيارات ومزارع؛ وفي حضرموت، انتشلت فرق الإنقاذ جثث غرقى بينهم رجل في تريم، فيما أصدرت السلطات تحذيرات عاجلة للصيادين بسبب اضطراب البحر.
عمران لم تكن بعيدة عن المشهد، حيث جرفت السيول طفلين في مديرية العشة خلال 24 ساعة فقط؛ أما المحويت، فقد شهدت انهيارات صخرية أغلقت طرقاً رئيسية وعزلت مناطق كاملة.
وفي الحديدة، غمرت السيول مخيمي "الجشّة" و"بني جحبر" بالخوخة، فانهارت عشرات المساكن وتلفت المؤن الغذائية، فيما عُثر على جثة شاب جرفته المياه في مدينة باجل الخاضعة للمليشيا وسط ذهول الأهالي.
أما في حجة، فانهار منزل في مديرية كعيدنة ليلقى ثلاثة أطفال مصرعهم ويصاب والدهم بجروح خطيرة، بينما شهدت منطقة عبس دماراً واسعاً لمنازل النازحين؛ وفي صعدة، أودت الأمطار بحياة طفلة وأصابت ثلاثة آخرين جراء انهيار منزلهم في مديرية الظاهر.
وفي صنعاء القديمة، انهارت منازل تاريخية مأهولة بالمواطنين، وسط تحذيرات من تهديد مباشر لمبانٍ مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو؛ ناشطون حمّلوا جماعة الحوثي مسؤولية "الإهمال والانتقائية" في صيانة المدينة العريقة، في وقت يهدد فيه التشبع المائي بمزيد من الانهيارات.
وفق تقارير شبكة النماء اليمنية، تضرر أكثر من 13 ألف أسرة نازحة في سبع محافظات، أبرزها الحديدة وعدن ولحج، مع تدمير مئات المساكن المؤقتة وتشريد الآلاف؛ كما قدّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من 16 ألف أسرة تضررت في حجة وحدها، مؤكدة بدء توزيع مساعدات عاجلة.
محافظ عدن أحمد لملس أعلن مديرية البريقة "منطقة منكوبة"، فيما شكّلت سلطات شبوة وحضرموت لجاناً لحصر الأضرار؛ على المستوى الرئاسي، عقد مجلس القيادة اجتماعات طارئة دعا خلالها رشاد العليمي لتعزيز الإنذار المبكر وتكثيف التعاون مع المنظمات الدولية.
بالتوازي مع السيول، واصلت الصواعق الرعدية حصد الأرواح؛ إذ وثّقت إحصاءات محلية وفاة أكثر من 40 مدنياً منذ يونيو، بينهم أطفال ونساء، في حوادث متفرقة بمحافظات حجة والحديدة وعمران.
تكشف سيول أغسطس 2025 أن الكارثة لم تكن طبيعية فحسب، لكنها نتاج تداخل عوامل متعددة:
– غياب التخطيط العمراني وبناء المنازل في مجاري السيول
– ضعف البنية التحتية وانعدام شبكات تصريف المياه
– هشاشة المساكن المؤقتة للنازحين، التي تحولت إلى "مصائد موت"
– انهيار قدرات الطوارئ واعتماد السلطات على استغاثات متأخرة
ومع استمرار الحرب وتآكل المؤسسات، تظل حياة ملايين اليمنيين رهينة الغيوم، فيما تتحول المياه الراكدة إلى تهديد صحي بانتشار الكوليرا والملاريا.
سيول أغسطس إنذار مبكر لمخاطر التغير المناخي في بلد يقف أعزل أمام الكوارث.. وإذا لم تُتخذ خطط وطنية عاجلة للإنقاذ والإعمار، فإن الأمطار القادمة لن تجرف التربة فقط، لكنها ستجرف ما تبقى من قدرة اليمنيين على الصمود.