الريال يتعافى.. جمود الأسعار وجشع التجار يثقلان كاهل المواطنين في تعز

  • الساحل الغربي - تقرير هاشم علي
  • 10:04 2025/08/14

في أسواق مدينة تعز المحاصرة، لم ينعكس تعافي الريال اليمني على أسعار السلع والمواد الغذائية، إذ لا تزال الفاتورة الشرائية تثقل كاهل المواطنين محدودي الدخل، بسبب تلاعب بعض التجار واستغلالهم الواضح لحاجة المستهلك، في ظل غياب آليات رقابية فعّالة تضمن انتقال أثر التحسن الملحوظ للعملة الوطنية على المواطنين في المناطق المحررة.
 
فالتباين بين المؤشرات النقدية وواقع الأسعار يثير العديد من التساؤلات حول جدوى الإجراءات الاقتصادية المتخذة، ويكشف عن فجوة واسعة بين ما يحدث في سوق العملات وما يعيشه المواطن يوميًا عند شراء احتياجاته الأساسية، وبينما يروّج الخطاب الرسمي لتحسن الوضع النقدي، يبقى المستهلك أسير دوامة التلاعب واستغلال التجار، يترقب تحركات الحكومة في فرض معادلة منطقية بين قيمة العملة وقيمة السلع.
 
 
غضب شعبي
في الأيام القليلة الماضية شهد الريال اليمني تحسناً لافتاً أمام العملات الأجنبية، إذ تراجع سعر الدولار من مستويات قاربت 2900 ريال إلى نحو 1500 ريال، بعد حزمة إجراءات اتخذها البنك المركزي في عدن ضمن خطة التعافي الاقتصادي، وبدعم من رئيس الوزراء سالم بن بريك، ورغم هذه القفزة الإيجابية في المؤشر النقدي، إلا أن الأسعار في تعز وغيرها من المدن المحررة بقيت جامدة عند مستوياتها المرتفعة.
 
وخلال جولة ميدانية في شوارع وأسواق مدينة تعز، رصد موفد "الساحل الغربي" تذمّر مئات المواطنين من غياب أي أثر ملموس لتحسن سعر العملة على أسعار الأرز والدقيق والزيوت والحبوب، مشيرين إلى أن بعض التجار يتذرعون بارتفاع تكاليف النقل أو بوجود مخزون تم شراؤه بأسعار سابقة، وهو ما يجعلهم يدفعون الثمن في كل الأحوال.
 
ويصف المتسوقون المشهد الحاصل بأنه مجرد "تحايل جماعي" من قبل التجار، ويطالبون الحكومة اليمنية والسلطات المحلية والجهات الرقابية باتخاذ إجراءات جادة، لا تكتفي بالشعارات، لوقف استغلال ظروف السوق معتبرين استمرار الغلاء إهانة للمنطق واستغلال فجّ لمعاناة الناس.
 
وبنبرة غاضبة يقول خالد سعيد: "الريال تحسن 50%، لكن كيلو السكر والدقيق ما زال على سعره، وكأننا نعيش في مدينة بلا رقابة. إذا كان انخفاض الدولار لا ينعكس على قوتنا اليومي، فما فائدة كل هذه الأرقام التي يتحدثون عنها؟ نحن نريد أن نشعر بالتحسن في طعامنا ومعيشتنا، وفي خفض أسعار الأدوية وتخفيض رسوم المدارس الأهلية وغيرها من المجالات".
 
 
الربح المزدوج
الغضب الشعبي لم يتوقف عند السلع الغذائية، بل امتد إلى سوق الدواء، حيث يشتكي مواطنون من استمرار بيع الأدوية بنفس الأسعار السابقة حينما كان سعر الريال السعودي يصل إلى 750 ريالًا، بحجة أن شركات الأدوية لم تخفض أسعارها بعد، وأن الصيدليات مجرد وسيط، وهي مبررات يعتبرها كثيرون غطاءً لجشع مضاعف.
 
ويؤكد مواطنون أن هذه الحجج ليست سوى "ذريعة للربح المزدوج"، حيث يستفيد التجار من تقلبات سعر الصرف في الاتجاهين؛ يرفعون الأسعار عند تراجع العملة، ويُبقونها مرتفعة رغم تحسنها.
 
ويوضح كثيرون أن استمرار أسعار الأدوية عند مستوياتها العالية يشكل عبئًا إضافيًا على الأسر، خاصة في ظل الظروف الصحية المتردية وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، ما يدفع المواطنين في تعز إلى تقليص جرعات العلاج أو اللجوء إلى بدائل أقل فاعلية، الأمر الذي يفاقم المعاناة الإنسانية.
 
 
 
جهود أمنية
ومع تصاعد شكاوى المواطنين من ارتفاع الأسعار واستمرار التلاعب في الأسواق، بادرت الأجهزة الأمنية في تعز إلى تعزيز تواجدها الميداني وتكثيف حملات الرقابة التموينية، بهدف استعادة الانضباط وضبط التجار المخالفين الذين يواصلون البيع بأسعار مرتفعة بشكل غير مبرر، مما يزيد العبء المعيشي على المواطنين.
 
وشملت هذه الجهود نزولات ميدانية متكررة لمراقبة حركة البيع والشراء، والتأكد من التزام التجار بالتسعيرات الرسمية، إلى جانب فتح قنوات تواصل مع المواطنين لتلقي بلاغاتهم والشكاوى المتعلقة بأي تجاوزات.
 
وفي بيان رسمي أكدت الأجهزة الأمنية استمرار مرافقة لجنة الرقابة الميدانية في حملات النزول إلى الأسواق، بهدف الحد من جشع بعض التجار الذين يرفضون الالتزام بالتسعيرات الجديدة، في وقت يعاني فيه السكان من ضغوط اقتصادية متزايدة.
 
ويوضح مسؤول أمني لـ "الساحل الغربي" أن الفرق الأمنية باقية في الميدان ولن تغادر حتى يتحقق الانضباط الكامل في السوق، وتعود الأسعار إلى مستويات منطقية تتناسب مع المتغيرات الاقتصادية الأخيرة، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية اتخذت إجراءات صارمة ضد المخالفين، تضمنت تحرير محاضر ضبط وإحالة عدد من المتلاعبين إلى الجهات القضائية المختصة.
 
 
التلاعب بالأوزان
في ظل هذه الفوضى، برز دور اللجان المجتمعية كخط دفاع إضافي لمواجهة الغش التجاري، حيث وثّق ناشطون في مديرية القاهرة قيام فرق الرقابة بوزن أكياس الدقيق في الأسواق والمحلات، لتظهر النتائج أن الكيس الذي يفترض أن يزن 50 كيلو جراماً، لا يتجاوز وزنه الفعلي 48 كيلو جراماً، ما يعني نقصاً بمقدار 2 كيلو جرام في كل كيس.
 
ولم يتوقف التلاعب عند حدود الدقيق، بل يؤكد مواطنون وجود تجاوزات مماثلة في أوزان السلع الأساسية الأخرى مثل الأرز والسكر.. ويشكو المستهلكون من أن هذه الممارسات تؤدي إلى خسارة متكررة في الكمية التي يحصلون عليها، مما يضاعف من معاناتهم.
 
ناشطون وصفوا هذه الممارسات بأنها "نهب يومي مقنن"، مؤكداً أن التجار يتعمدون اقتطاع كميات من الدقيق والأرز والسكر، في ظل غياب رقابة فعلية من مكتب الصناعة والتجارة.. ويضيف: "هذه ليست أخطاء فردية، بل سلوك متكرر منذ بدء سنوات الحرب والحصار، والهدف هو مراكمة الأرباح على حساب تجويع السكان".
 
إلى جانب ذلك، كشفت لجنة تفتيش حكومية عن تجاوزات جسيمة في محطات الوقود بمدينة تعز، تضمنت برمجة مضخات التعبئة لنقص يتراوح بين نصف لتر إلى لترين ونصف من الصفيحة التي تبلغ سعتها 20 لترًا؛ وقد أدت هذه الحملة إلى إغلاق عدد من المحطات المخالفة، وإحالة أصحابها إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
 
ويعكس هذا الاستهجان حالة الإحباط والقلق من استمرار هذه التجاوزات التي تُعتبر سلبًا مباشرًا لحقوق المواطنين، وتؤثر سلبًا على ثقتهم في الأسواق والجهات الرقابية، وسط مناشدات السلطات المحلية بزيادة حملات الرقابة وتشديد العقوبات على المخالفين لضمان حماية المستهلك وضبط جودة السلع الأساسية.
 
 
سعر الوقود
 
أثار قرار فرع شركة النفط اليمنية في تعز، برفع سعر لتر البنزين المحسن إلى 1,100 ريال، غضباً واسعاً بين المواطنين، خاصة أن التسعيرة تزيد بـ 85 ريالاً عن السعر الرسمي المعتمد من الإدارة العامة للشركة في عدن والبالغ 1,015 ريالاً للتر.
 
وبحسب مواطنين فإن هذا القرار يعني زيادة تصل إلى 1,700 ريال على الصفيحة سعة 20 لتراً، وهو ما يعتبر دليلاً على أن تراجع سعر الصرف الذي أعلن عنه بنك عدن المركزي لم ينعكس على السوق، وسط استمرار ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.
 
وأكدت مصادر محلية أن الفارق السعري يعود جزئياً إلى الجبايات غير القانونية التي تفرضها سلطات محور تعز على المشتقات النفطية، الأمر الذي أدى إلى تجاوز التسعيرة الرسمية وخلق حالة من التمرد الإداري على قرارات عدن.
 
وطالب مواطنون الجهات الرقابية وشركة النفط في عدن بالتدخل العاجل لإيقاف هذه التجاوزات، وإلغاء الجبايات الإضافية التي أثقلت كاهلهم، محذرين من استمرار السلطات المحلية في تحويل المحافظة إلى مصدر جباية بدل القيام بواجبها في تحسين الخدمات الأساسية.
 
 
نافذة أمل
يرى اقتصاديون أن استقرار العملة الوطنية خطوة مهمة، لكنها لن تترك أثراً ملموساً على حياة المواطنين ما لم تُترجم إلى إجراءات صارمة تفرض خفض الأسعار، وتربط حركة السوق بالتغيرات النقدية، مؤكدين أن السياسات النقدية تحتاج إلى سند من السياسات المالية والرقابية حتى تؤتي ثمارها، وإلا فإن تحسن المؤشرات سيظل مجرد أرقام.
 
ويشير خبراء إلى أن التحسن النسبي للعملة اليمنية يمثل نافذة أمل نادرة في اقتصاد أنهكته الحرب، لكن تحويل هذا الأمل إلى واقع يتطلب إرادة سياسية، ورقابة صارمة تلزم التجار بخفض الأسعار، وإجراءات تنفيذية واقعية، تكسر جشع الأسواق وتجعل المواطنين في المناطق المحررة يشعروا بالتحسن الاقتصادي والمعيشي.

ذات صلة