قرار الأمم المتحدة بنقل المقر الرئيس من صنعاء إلى عدن: ما دلالاته وتداعياته؟

  • أ.د.عبدالوهاب العوج*
  • 08:42 2025/09/24

أثار خبر قرار الأمم المتحدة نقل المقر الرئيس للمنظمة الدولية من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، تفاعلات واسعة على المستويين المحلي والدولي، إذ يعكس القرار تحولات جوهرية في مسار التعامل الأممي مع الأزمة اليمنية، ويعيد ترتيب المشهد الإنساني والسياسي في ظل صراع تتشابك فيه الأبعاد الإقليمية والدولية.
 
اذا تم هذا الأمر فسيمثل اعترافاً ضمنياً بعدم شرعية سلطة الأمر الواقع التي تفرضها مليشيات الحوثي في صنعاء، وإقراراً بأن استمرار المكاتب الرئيسة للأمم المتحدة في العاصمة الخاضعة للجماعة منحها غطاءً سياسياً لا تستحقه. كما يعبر القرار عن ضغوط متزايدة من جانب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وحلفائها الإقليميين لإعادة تصويب العلاقة مع المنظمات الدولية باتجاه عدن كعاصمة مؤقتة وكمقر سيادي للحكومة.
 
تأثير القرار على الحوثيين يبدو بالغ الأهمية، حيث سيفقد الجماعة ورقة تفاوضية طالما استثمرتها في الحصول على شرعية واقعية أمام المجتمع الدولي، إضافة إلى خسارتها امتيازات مالية وإدارية مترتبة على سيطرتها على عمليات الإغاثة والمساعدات في مناطق سيطرتها. وقد سبق أن وجهت تقارير دولية عدة اتهامات للحوثيين بنهب المساعدات الإنسانية وتحويلها لصالح المجهود الحربي (تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، 2021).
 
ورغم أن قرار نقل المقر يمثل خطوة تصعيدية ضد الحوثيين، إلا أن السنوات الماضية كشفت عن مستوى من التماهي بين عدد من المنظمات الدولية والجماعة. فقد قبلت بعض الوكالات الأممية، بما فيها منظمات إغاثية بارزة، بشروط الحوثيين التعسفية فيما يتعلق بكشوفات المستفيدين وتوزيع المساعدات، وغضت الطرف عن انتهاكات موثقة طالت موظفيها وشركاءها المحليين، فهذا التماهي وفر للجماعة غطاءً سياسياً وإنسانياً ساعدها على إطالة أمد سيطرتها، ورسخ صورتها كسلطة أمر واقع أمام المجتمع الدولي، وهو ما يجعل قرار الأمم المتحدة اليوم بتحويل مركز ثقلها إلى عدن ضربة مزدوجة: ليس فقط في تقييد شرعية الحوثيين الواقعية، بل أيضاً في تصحيح مسار سابق سمح لهم باستغلال المساعدات الإنسانية كأداة ابتزاز سياسي واقتصادي (تقارير رويترز –2024- 2025، تصريحات مسؤولين في برنامج الأغذية العالمي).
 
غير أن ضعف الشرعية يتجلى في عجزها عن فرض إجراءات ردعية فعالة ضد المنظمات الدولية التي ما زالت ترفض نقل مقراتها الرئيسة إلى العاصمة المؤقتة عدن وكذلك حصر تعامل المنظمات الدولية مع البنك المركزي في العاصمة عدن. فرغم أن الحكومة اليمنية تمتلك الغطاء القانوني والسياسي لمطالبة هذه الوكالات بالالتزام بقراراتها السيادية، إلا أن الخطوات العملية على الأرض ظلت محدودة ومرتبكة، وغالباً ما تخضع لحسابات المانحين الدوليين وضغوط الأطراف الإقليمية، فهذا التراخي أتاح للمنظمات مساحة للمناورة والتذرع بالاعتبارات اللوجستية والأمنية، ما أضعف من صورة الشرعية كسلطة قادرة على فرض قراراتها، ورسّخ الانطباع بأن هذه الهيئات تعمل فوق سيادة الدولة بدلاً من أن تكون شريكاً مساعداً لها (تصريحات لمسؤولين حكوميين – مواقع خبرية، 2025).
 
وأفادت منظمات إغاثة محلية تعمل بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي ووكالات الأمم المتحدة الأخرى بأنه حدث توقف كبير للمساعدات حيث لا توجد حاليًا أي مساعدات غذائية من برنامج الأغذية العالمي، والأسبوع الماضي نقلت الأمم المتحدة مقر منسقها المقيم في اليمن من صنعاء إلى عدن، بعد أكثر من أسبوعين على احتجاز ما لا يقل عن 21 موظفاً أممياً من قبل الميليشيات الحوثية.
أما على صعيد العمل الإنساني، فإن نقل المقر إلى عدن يطرح تحديات لوجستية جديدة، لكنه في الوقت نفسه يفتح المجال أمام توزيع أكثر شفافية للمساعدات في المناطق المحررة، ويحد من قدرة الحوثيين على التحكم في مسارات الإغاثة. وقد سبق أن أشار برنامج الغذاء العالمي في عدة تقارير إلى العراقيل التي كانت تضعها الجماعة أمام وصول المساعدات لمستحقيها (برنامج الأغذية العالمي، 2019).
 
إقليمياً، يأتي القرار متناغماً مع التوجهات السعودية والإماراتية الرامية إلى تعزيز دور عدن كعاصمة سياسية وإدارية، وهو ما يعكس نجاح ضغوط التحالف في دفع المجتمع الدولي نحو الاعتراف بسلطة الحكومة الشرعية في المحافظات المحررة، غير أن ذلك يضع الحكومة أمام اختبار أكبر في ضمان الأمن والاستقرار في عدن لتأمين بيئة مناسبة لعمل هذه المنظمات، بما يحفظ مصداقية القرار وفعاليته.
 
دولياً، يشير القرار إلى إدراك متزايد لدى الأمم المتحدة والدول المانحة بأن استمرار الوضع السابق لم يعد مقبولاً، خاصة مع تصاعد الانتقادات ضد سياسات التماهي مع الحوثيين، كما يعكس محاولة لإعادة التوازن في العلاقة مع الحكومة اليمنية الشرعية، في وقت تتزايد فيه الحاجة لتوحيد الجهود لمواجهة التحديات الإنسانية والاقتصادية.
 
إن قرار الأمم المتحدة بنقل المقر الرئيس للمنظمة الدولية إلى عدن يمثل محطة مفصلية في مسار الصراع اليمني، ويكشف عن بداية تحول في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة. غير أن فعالية القرار تظل مرهونة بقدرة الحكومة اليمنية على استثماره في تعزيز حضورها المؤسسي، وتجاوز حالة الضعف التي طبعت تعاملها مع الملفات السيادية في السنوات الماضية، إضافة إلى ضرورة وجود خطة محكمة لمراقبة تنفيذ التمويل وضمان عدم انزلاقه إلى شبكات الفساد، بما يضمن أن تحقق هذه الخطوة نتائج ملموسة على صعيد تحسين الوضع الإنساني والسياسي في اليمن.
 
*أ.د.عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي يمني

ذات صلة