بين خطاب النصرة وواقع المعاناة: هل تتهاوى الرواية الحوثية عن نصرة غزة؟

  • الساحل الغربي، أ.د. عبدالوهاب العوج
  • 06:06 2025/09/14

يمثل التدخل العسكري للحوثيين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحت شعار نصرة غزة منعطفًا بالغ التعقيد، تتشابك فيه الأبعاد العسكرية والسياسية والإعلامية والإنسانية، غير أن هذا التدخل لا يمكن فصله عن الصراع الجيوسياسي الأكبر بين إيران وإسرائيل في المنطقة، حيث تحولت اليمن إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين الطرفين، فإيران تسعى إلى استخدام الحوثيين كذراع عسكري متقدم في خاصرة الخليج والبحر الأحمر، فيما ترى إسرائيل أن هذا التمدد يهدد أمنها القومي والملاحة الدولية، مما يجعل الساحة اليمنية جزءًا من التوتر الإقليمي الممتد من مضيق هرمز والخليج العربي إلى شرق المتوسط والبحر الأحمر ( تقارير معهد الدراسات الإستراتيجية الدولية IISS).
 
النفوذ الإيراني والقدرات العسكرية: الدعم والاستنزاف
يحصل الحوثيون على دعم عسكري وتقني ممنهج من إيران، يتمثل في توريد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وأنظمة الرادار والدفاع الجوي التي تمكنت المقاومة الوطنية في البحر الأحمر من القبض على بعضا من تلك الشحنات، إضافة إلى الخبرات التي ينقلها خبراء من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وقد مكّنهم هذا الدعم من توسيع نطاق عملياتهم لتشمل استهداف البنية التحتية الحيوية في السعودية والإمارات، وكذلك استهداف السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وباب المندب ( تقارير مجموعة الخبراء التابع للأمم المتحدة)، غير أن هذا التوسع العسكري جعل اليمن في قلب الحسابات الجيوسياسية، فإيران تستخدم الحوثيين لخلق معادلة ردع إقليمية ضد إسرائيل والولايات المتحدة عبر البحر الأحمر، بينما ترد واشنطن ولندن بضربات دقيقة استهدفت منصات الإطلاق ومستودعات الأسلحة ومنظومات الاتصالات الحوثية ( بيانات البنتاغون و غيرها)، وهذا الاستنزاف يضعف ترسانة الحوثيين التي يصعب تعويضها بسبب الحصار البحري والجوي، وهو ما يجعلهم في موقع دفاعي أكثر من كونه هجومي مع مرور الوقت.
 
الآلة الإعلامية: صناعة الصورة واختطاف الخطاب فقد اعتمد الحوثيون على خطاب إعلامي متقن وتم إنشاء قنوات فضائية وإذاعية كثيرة تروج للدعاية الحوثية، حيث يزاوج بين الشعارات الثورية والدينية وبين الدعاية العسكرية المصورة، فهم يوزعون محتواهم عبر التلغرام وإكس ويوتيوب بعدة لغات بينها العربية والإنجليزية، ويحرصون على إنتاج مقاطع عالية الجودة تُظهر عملياتهم العسكرية وكأنها انتصارات استراتيجية، حتى وإن كانت محدودة التأثير على الأرض (مصدر: دراسة لشبكة ألبانجا الإخبارية)، هذا الخطاب يحاول أن يضع الحوثيين في قلب ما يسمى بمحور المقاومة إلى جانب حماس وحزب الله، بل إنهم يذهبون إلى حد اختطاف خطاب المقاومة وتقديم أنفسهم كقوة مواجهة لإسرائيل رغم أنهم لم ينخرطوا مباشرة في جبهة غزة، وهو ما أثار جدلاً واسعًا حول حدود المصداقية، فبينما يسوّقون أنفسهم كحماة لفلسطين، يواجه المواطنون في صنعاء والحديدة وتعز والمناطق الأخرى المجاعة وانهيار الخدمات الأساسية.
 
الواقع المعيشي في اليمن: الفجوة بين الخطاب والحياة اليومية لليمنيين يتسع
رغم تضخيم خطاب نصرة غزة، فإن الواقع المعيشي داخل اليمن يكشف التناقض، فالعملة الوطنية فقدت أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها منذ اندلاع الحرب وانطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015م وانقلاب المليشيات الحوثية وسيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، كما تجاوزت نسبة الفقر ثمانين في المئة من السكان
"80% من السكان تحت خط الفقر" (حسب تقارير البنك الدولي و المنظمات الدولية عن اليمن)، بينما تدهورت المنظومة الصحية والتعليمية بشكل حاد، إذ تعاني المستشفيات من نقص الأدوية والأجهزة وتفشي الأوبئة مثل الكوليرا والملاريا بسبب غياب الصرف الصحي (تقارير منظمة الصحة العالمية)، إضافة إلى ذلك، يفرض الحوثيون قبضة أمنية صارمة، حيث تتم مصادرة الحريات وتكميم الصحافة وتجنييد الأطفال والزج بالمعارضين في السجون، مما جعل قطاعات واسعة من الشعب اليمني ترى أن خطاب نصرة غزة مجرد ستار لإخفاء الانتهاكات الداخلية وتعميق المعاناة الإنسانية ( تقارير هيومن رايتس ووتش).
 
السياق الإقليمي والدولي: اليمن كساحة مواجهة جيوسياسية
تحولت اليمن إلى بؤرة صراع جيوسياسي مفتوح، فإيران تنظر إليها كبوابة استراتيجية للسيطرة على خطوط الملاحة في البحر الأحمر، وباب المندب، والمحيط الهندي وهذا ما يفسر قيام الحرس الثوري الإيراني بتهريب كميات كبيرة من الأسلحةوالمعداتالعسكريةالمتطورة والتي اثبتته شحنة 750 طن التي قبضت عليها المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح في الساحل الغربي، وهو ما يمنح ايران ورقة ضغط قوية في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، بينما ترى إسرائيل أن تمركز الحوثيين في البحر الأحمر يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها البحري وممراتها التجارية المرتبطة بقناة السويس، وهو ما دفعها لتنسيق أمني غير معلن مع واشنطن وبعض دول التحالف العربي لمواجهة هذا الخطر (مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجية)، وعلى المستوى الدولي، عززت واشنطن وجودها العسكري في المنطقة عبر تشكيل تحالف بحري لحماية الملاحة الدولية، وأعادت تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، فيما أقر مجلس الأمن قرارات متتالية لإدانة هجماتهم (مصدر: موقع الأمم المتحدة)، أما إقليميًا، فإن السعودية والإمارات تعتبران الحوثيين أداة إيرانية تهدد عمقها الأمني، ما يجعل أي تسوية سياسية مرهونة بمدى تحجيم النفوذ الإيراني.
 
تفكك الرواية: العوامل التي تهدد السردية الحوثية
إن التناقض بين الخطاب الخارجي حول نصرة غزة والواقع الداخلي في اليمن يمثل أبرز مهددات الرواية الحوثية، فالشعب اليمني بات يرى أن أولوياته في الغذاء والدواء والمرتبات لا تجد صدى في خطاب قادته الذين ينفقون الموارد على الحرب الإقليمية، كما أن طول أمد الحرب خلق حالة من التعب الشعبي والرغبة في السلام وإعادة الإعمار، فضلًا عن غياب أي نتائج ملموسة على جبهة غزة، حيث لم تؤد الهجمات الحوثية إلى كسر الحصار الإسرائيلي أو تغيير المعادلة الميدانية، الأمر الذي جعل الدعاية الحوثية تبدو منفصلة عن الحقائق الموضوعية.
 
الخاتمة: رواية على حافة الانهيار
يمكن القول إن الرواية الحوثية لنصرة غزة تقف على حافة الانهيار، فهي لم تعد قادرة على إخفاء الفجوة العميقة بين شعاراتها الخارجية ومعاناة الداخل اليمني، كما أن ارتباطها بالمشروع الإيراني يجعلها جزءًا من صراع جيوسياسي أكبر بين إيران وإسرائيل، وهو صراع يضع اليمن في موقع الضحية أكثر من كونه طرفًا فاعلًا، القدرات العسكرية والإعلامية للحوثيين ما زالت قائمة لكنها تتعرض للاستنزاف تحت الضغط العسكري الدولي والغضب الشعبي الداخلي، وإن استمرار هذا النهج لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة والتفكك، ما لم يحدث تحول جذري في أولويات الجماعة، أو تدخل دولي يفرض تسوية شاملة تعيد لليمنيين أملهم في السلام والدولة المدنية.
 
أ.د.عبدالوهاب العوج
 أكاديمي ومحلل سياسي يمني

ذات صلة