الأمم المتحدة بين عجز الرقابة وتعزيز نفوذ الحوثيين: قراءة موسعة في تقرير أميركي وتحولات الأمن البحري
- الساحل الغربي، أ.د. عبدالوهاب العوج*:
- 04:54 2025/10/03

يشكل التقرير الأميركي الصادر عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، الذي أعدّته الباحثة بريدجيت تومي تحت عنوان "8 إخفاقات للأمم المتحدة في اليمن"، وثيقة محورية تُسلط الضوء على مكامن الفشل المؤسساتي في إدارة الملف اليمني. ويخلص التقرير إلى أن المنظمة الدولية لم تفشل فقط في أداء مهامها خلال العقد الماضي، بل تحولت سياساتها وأدواتها إلى عامل عزز نفوذ الحوثيين ومكّنهم من السيطرة على مساحات واسعة من اليمن.
فشل الاتفاقات وآليات الرقابة
يبرز التقرير كيف أسهم اتفاق ستوكهولم 2018، الذي رعته الأمم المتحدة، في تكريس سلطة الحوثيين في مدينة الحديدة وموانئها الاستراتيجية (الحديدة، رأس عيسى، الصليف). فبدلاً من تحقيق أهدافه المعلنة في حماية المدنيين وتأمين ممرات المساعدات، أدى الاتفاق إلى تجميد العمليات العسكرية دون تنفيذ بنود الانسحاب أو تسليم الموانئ لجهة محايدة. وقد منح هذا الواقع الحوثيين فرصة لإعادة تنظيم صفوفهم وتحويل الموانئ إلى منصات لتهريب السلاح الإيراني وتعزيز السيطرة على البحر الأحمر، مما دفع الباحثة إلى اعتبار الأمم المتحدة طرفًا سلبيًا ساهم في ترسيخ نفوذ الحوثيين.
ويكشف التقرير عن فشل ذريع في آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، التي اقتصرت صلاحياتها على إجراءات شكلية في جيبوتي، بينما أثبتت الوقائع الميدانية أن إيران استطاعت تمرير عشرات الشحنات من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة. ويعزو التقرير هذا القصور إلى طبيعة الآلية الطوعية التي تفتقر لصلاحية إجبار السفن على التوقف أو التفتيش القسري، مشيرًا إلى ارتفاع ملحوظ في عام 2024 في عدد السفن التي تتجاوز الآلية دون فحص.
الأبعاد الاقتصادية والمالية: أرقام مفزعة
يقدم التقرير أرقامًا مالية صادمة تكشف عمق الاستفادة الحوثية من الوضع القائم:
• إيرادات الجمارك من واردات الوقود في الحديدة خلال عامين تُقدّر بنحو 4 مليارات دولار، يتحول جزء كبير منها لأغراض عسكرية.
• استيلاء الحوثيين على حوالي ثلث المساعدات الدولية الموجهة لليمن خلال العقد الماضي، بما يعادل نحو 10 مليارات دولار من أصل 30 مليار دولار، عبر التحكم في قوائم المستفيدين وعمليات التوزيع.
• مرور حوالي 80% من المساعدات الإنسانية الأممية عبر الموانئ الخاضعة للحوثيين، مما يمنحهم سلطة التحويل والابتزاز.
الاختطافات والعجز عن الحماية
يسجل التقرير أزمة خطيرة في حماية الموظفين الدوليين، حيث إن 44% من موظفي الأمم المتحدة المحتجزين عالميًا كانوا في مناطق سيطرة الحوثيين (23 من أصل 52 موظفًا). وفي أغسطس من العام ذاته، ارتفع العدد إلى أكثر من 40 موظفًا بعد اختطاف 22 إضافيًا، مما يعكس هشاشة موقع المنظمة وعجزها عن فرض أي رادع.
الضبطيات الميدانية وتداعيات الأمن البحري
تأتي الضبطية الأخيرة في ميناء الحاويات بعدن لشحنة أسلحة إيرانية متطورة لتكشف عمق المشكلة. فقد ضُبطت صواريخ وذخائر وأجهزة توجيه مخبأة داخل حاويات تجارية، في أسلوب تكرر في عمليات اعتراض أميركية وبريطانية سابقة في بحر العرب وخليج عدن. وفي السياق ذاته، تمكنت قوات المقاومة الوطنية من إحباط واحدة من أضخم عمليات التهريب، تمثلت في شحنة بلغت 750 طنًا من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة، إلى جانب ضبط شحنات مخدرات ضخمة استُخدمت كوسيلة تمويل موازية للحوثيين عبر شبكات تهريب إيرانية. هذه الوقائع تبرز حجم الانكشاف الأمني الناتج عن قصور الأمم المتحدة، حيث أصبحت مياه البحر الأحمر وخليج عدن معابر رئيسية للأسلحة والمخدرات الموجهة لتعزيز نفوذ الحوثيين.
لقد ترك هذا العجز الأممي فراغًا استراتيجيًا في معادلة الأمن البحري، دفع الدول المتضررة إلى بناء تحالفات بديلة، كـ"شراكة الأمن البحري لليمن" التي أطلقت خلال مؤتمر الرياض في سبتمبر الماضي بمشاركة 35 دولة، وبتزامن مع التزام سعودي بقيمة 4 ملايين دولار لدعم البنية الأمنية اليمنية. المؤتمر شكّل لحظة فاصلة، إذ وضع ملف الأمن البحري اليمني في صدارة الأجندة الإقليمية والدولية، وأكد أن غياب الأمم المتحدة لا يمكن أن يبقى مبررًا لاستمرار فوضى التهريب والقرصنة الحوثية.
السياق الإقليمي والتداعيات الجيوسياسية
يمثل النمط الإيراني في دعم الحوثيين تكرارًا لتجارب مماثلة في لبنان مع حزب الله وفي سوريا مع الميليشيات الطائفية. فطهران تستخدم الحوثيين كأداة ضغط في مواجهة العقوبات الأميركية، وكورقة تفاوضية في صراعها مع الغرب، وكذراع هجومية لتهديد أمن البحر الأحمر ومضيق هرمز – الخليج العربي – وهو شريان حيوي تمر عبره أكثر من 12% من التجارة البحرية العالمية.
خاتمة: نحو مراجعة جذرية
تقود قراءة هذه الوقائع إلى نتيجة حاسمة: الأمم المتحدة لم تعد قادرة على إدارة ملف اليمن أو ضبط مساراته الأمنية والسياسية. لقد تحولت منظمة كان يُفترض بها أن تكون حامية للسلام إلى طرف سلبي في المعادلة، بينما برزت مبادرات إقليمية تحاول سد الفراغ. لكن نجاح هذه المبادرات سيبقى رهنًا بقدرتها على تحويل الشراكات الأمنية إلى إطار مؤسسي دائم.
التحدي اليوم لم يعد يتعلق بقدرة الأمم المتحدة على استعادة المبادرة، بل باستعداد القوى الدولية والإقليمية لإعادة صياغة قواعد الأمن البحري بعيدًا عن المنظومة الأممية التي أثبتت فشلها الذريع. فاستمرار الوضع الراهن يعني أن البحر الأحمر وخليج عدن سيبقيان ساحتين مفتوحتين للاختبار، ليس فقط لليمن أو دول الخليج، بل للمجتمع الدولي برمته.
*أ.د. عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي يمني