مولد بلا عودة

  • خاص - الساحل الغربي:
  • 11:50 2025/09/10

في ميدان السبعين بصنعاء، حيث غطّت الأضواء الخضراء والشعارات الطائفية مشهد الاحتفال بالمولد النبوي، وقع ما لم يكن في حسابات الأهالي: عشرات الأطفال الذين خرجوا للمشاركة في الفعالية، لم يعودوا إلى بيوتهم.
 
انتظر الآباء طويلا، وجرّبوا الاتصال بهواتف أبنائهم واحدا تلو الآخر… بلا جدوى؛ وكأن الأرض ابتلعتهم دفعة واحدة.
 
وفق مصادر محلية، فإن المفقودين ينتمون إلى مديريات محيطة بالعاصمة: خولان، وسنحان، وبني بهلول، وبني حشيش؛ وهي مناطق اعتادت أن تدفع برجالها إلى جبهات القتال، لكنها هذه المرة فقدت أبناءها الصغار في احتفالية دينية كان يفترض أن تكون آمنة. النتيجة: عائلات مذهولة تبحث عن أثر، فلا تجد سوى صمت ثقيل وتجاهل متعمد من سلطات الأمر الواقع.
 
تشير الترجيحات إلى أن الجماعة قامت بسحب الأطفال إلى معسكرات سرية، حيث يتحول "مولد النبي" إلى محطة للتجنيد؛ طفل خرج يردد الزوامل، يعود –إن عاد– وهو يحمل بندقية أكبر من حجمه.
 
الحقوقية سكينة حسن زيد نبهت إلى بُعد آخر للقضية، مؤكدة أن اليمن تحوّل إلى "سوق مفتوح لبيع وشراء الأطفال"، فالمسألة لا تقتصر على التجنيد، لكنها تمتد إلى الاتجار والتهريب بجوازات مزوّرة، بمشاركة شبكات فساد مدفوعة بالحاجة أو الطمع، في مشهد يشبه المزاد العلني، لكن البضاعة فيه هي الأطفال.
 
سكينة دعت وزارات التربية والأوقاف والداخلية للتحرك؛ الأولى عبر المناهج التوعوية، والثانية بخطب تحذيرية، والثالثة بملاحقة العصابات وكشف المتورطين؛ لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن لمن يفتح أبواب التجنيد أن يغلق أبواب الخطف؟ وهل ستصبح الإذاعة والتلفزيون منابر وأداة للتحذير فعلا، أم مجرد مكبرات لشعارات تخفي المأساة؟
 
فبحسب تقارير حقوقية، فإن الحوثيين جندوا ما يزيد عن 30 ألف طفل منذ اندلاع الحرب، بعضهم قُتل في الجبهات، وآخرون اختفوا بلا أثر؛ ما حدث في ميدان السبعين حلقة في سلسلة ممنهجة من استغلال الطفولة لتغذية آلة الحرب الحوثية.
 
المشهد يختصر نفسه في مفارقة مأساوية: جماعة تتحدث عن الاحتفال بالمولد، بينما يكتشف الأهالي أن أبناءهم لم يعودوا من "الاحتفال".. هكذا تتحول المناسبات إلى مآتم، والذكرى إلى كابوس… باختصار، إنه مولد بلا عودة.

ذات صلة