اليمن جغرافيا مستباحة في أجندة المشروع الإيراني

09:28 2025/09/01

 منذ أن سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء دخل اليمن مرحلة غير مسبوقة من الخراب والدمار على جميع المستويات حيث تحولت البلاد إلى ساحة مفتوحة لصراع إقليمي ودولي تستخدمه إيران ورقة ضغط في مواجهة المجتمع الدولي، بينما الشعب اليمني هو الضحية الأولى والأخيرة، مليشيا الحوثي لم تتعامل مع اليمن كدولة ذات سيادة ولا كشعب له حقوق وأحلام، بل كجغرافيا مستباحة ضمن مشروع فارسي توسعي عابر للحدود الهدف منه مد النفوذ الإيراني إلى عمق الجزيرة العربية والبحر الأحمر وباب المندب، لأن اليمن بالنسبة لهذه المليشيا ليس سوى وسيلة لتحقيق المآرب الإيرانية والدليل على ذلك ما آلت إليه الأوضاع منذ لحظة الانقلاب وحتى اليوم؛ هذه المليشيا لم تتورع عن إقحام اليمن في صراع يتجاوز حدوده الطبيعية ليصبح جزءاً من معادلة دولية مرتبطة بالملف النووي الإيراني والعقوبات المفروضة على النظام الإيراني، فعندما تتعرض إيران لضغوط دولية متزايدة نجد الحوثي يرفع وتيرة التصعيد في البحر الأحمر عبر استهداف السفن التجارية وتهديد الملاحة الدولية كما حدث مؤخراً في الهجمات التي طالت ناقلات نفط وسفن حاويات مرتبطة بممرات تجارية عالمية الأمر الذي استدعى تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لحماية خطوط الملاحة هذه الممارسات لم تكن دفاعاً عن اليمن ولا عن قضية وطنية وقومية "غزة" كما يدعي الحوثيون بل كانت رسالة إيرانية إلى العالم تقول إن الضغط على طهران ستكون كلفته زعزعة استقرار التجارة الدولية.
كذلك لم يقتصر استهتار مليشيا الحوثي بمصالح اليمنيين على فتح البحر الأحمر كساحة صراع دولي بل تعدى ذلك إلى الداخل حيث فرضت الجماعة نظاماً أمنياً قمعياً يفتقد إلى أدنى درجات الرحمة تجاه المواطنين، فمنذ سيطرتها على مؤسسات الدولة مارست المليشيا سياسة تجويع متعمد عبر نهب المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية وبيعها في الأسواق السوداء، بينما يُعاني ملايين اليمنيين من الجوع وسوء التغذية، كما أقدمت على قمع الصحفيين والناشطين والزج بالمئات في السجون السرية ناهيك عن تجنيد آلاف الأطفال وإرسالهم إلى جبهات القتال في انتهاك صارخ لكل القوانين الإنسانية.
ومع ذلك كله لا تزال هذه المليشيا تحاول الترويج لنفسها كحركة "مقاومة" في حين أن ممارساتها تثبت العكس تماماً، فهي لم تطلق رصاصة واحدة دفاعاً عن اليمن ككيان مستقل وإنما كل ما تقوم به هو تنفيذاً للأجندة الإيرانية التي ترى في اليمن قاعدة متقدمة للتمدد صوب الجزيرة العربية والخليج العربي، خصوصاً أن إيران تعلم بأن موقع اليمن الجغرافي الاستراتيجي يمنحها ورقة تفاوضية قوية إذا ما تمكنت من التحكم فيه عبر وكلائها، ولذلك تواصل دعم مليشيا الحوثي بالصواريخ والطائرات المسيرة والألغام التي تستهدف المدن اليمنية والسعودية وأحياناً مواقع في الإمارات لتثبت أن اليمن تحول إلى منصة لإدارة صراع إقليمي ودولي أكبر بكثير من حجمه؛ وما يحدث اليوم في اليمن من تدمير ما تبقى من مؤسسات حكومية يؤكد أن مليشيا الحوثي لا تحترم وطناً ولا ترحم مواطناً، المدن التي كانت مزدهرة أصبحت أنقاضاً والاقتصاد الذي كان يُعاني أصلاً انهار بشكل كامل والنسيج الاجتماعي اليمني تمزق بفعل خطاب الكراهية الطائفي الذي زرعته المليشيا، فاليمن لم يعد في حساباتهم سوى مساحة جغرافية تُستخدم كورقة مساومة في يد إيران وكلما اشتد الضغط الدولي على طهران كلما ارتفعت فاتورة الدم والخراب في اليمن والمنطقة، وما يزيد الطين بلة أن الحوثي لا يرى في الحوار السياسي سوى فرصة لكسب الوقت وتعزيز قدراته العسكرية بينما يدفع الشعب اليمني ثمن تلك المماطلات من لقمة عيشه وأمنه وحياته اليومية.
خلاصة ما أريد قوله إن اليمن اليوم يقف شاهداً على مشروع إيراني لا يعرف حدوداً ومليشيا لا تحمل في أجندتها شيئاً سوى الولاء للخارج، وما لم يدرك المجتمع الدولي أن مليشيا الحوثي ليست سوى أداة لجر اليمن والمنطقة إلى حرب بالوكالة لتخفيف الضغط على طهران، وبالتالي فإن معاناة اليمنيين ستطول وسيظل البحر الأحمر مهدداً والتجارة العالمية في مهب الريح ووطن بكامله رهينة لمليشيا لا تعترف بالوطن ولا بالمواطن.