هوية مفقودة في دهاليز الطائفية.. الحوثي وثقافة القبور

11:08 2025/07/06

لا يحتاج الحوثي إلى منظار ليرى النهاية فالمشهد أمامه مكشوف، حيث طهران تتهاوى من الداخل ويعلو فيها صوت الشعب فوق سطوة الحرس الثوري، وحزب الله يتآكل في الضاحية الجنوبية، وغزة تُباد بينما من يطلقون على أنفسهم "محور المقاومة" يكتفي بالشعارات، ومع ذلك يُصر الحوثي على الاستمرار في السير داخل نفق مظلم متمسكاً بنموذج فاشل ومشروع ميت، وخرافة اسمها "جمهورية الموز الإسلامية- إيران" التي يحظى بدعمها من أجل ابتلاع الهوية اليمنية وتدمير الدولة ومؤسساتها؛ منذ انقلابه على الدولة لم يظهر الحوثي كقائد وطني أو حتى كجماعة سياسية تحاول فرض مشروع حكم، بل كمستنسخ مشوه لفكر الولي الفقيه الإيراني، استولى على كل شيء: الحكومة، الجيش، القضاء، التعليم، الإعلام، وحتى المساجد، وبدل أن يعيد بناء دولة أو يصون كياناً وطنياً، بدأ بهدم مؤسسات الجمهورية لبناء سلطة طائفية قائمة على الحق الإلهي المزعوم، حول وزارات الدولة إلى دوائر ولاء سلالي، ووظف التعليم لتجنيد العقول، والإعلام لتزييف الوعي، وحول المساجد إلى منابر دعائية تخدم "السيد" لا المجتمع؛ وهو في كل ذلك لا يرى المآلات، ولا يرى أن إيران تعيش عزلة غير مسبوقة وأن مشروعها التوسعي في العراق يترنح، وفي سوريا تهدم، وفي لبنان يُحتضر، لم يتوقف ليتأمل ما يجري في شوارع طهران من مظاهرات شبابية تلعن "المرشد"، أو في شوارع بيروت حيث ينهار حزب الله سياسياً وأخلاقياً، أو في البصرة حيث سقط شعار "الولي الفقيه" أمام جوع الناس، كل ذلك لا يحرك فيه ساكناً، وكأن قدر اليمن أن تُحكم بنسخة مشوهة من جمهورية تستورد كل شيء إلا الكرامة.
أما على الأرض فالمشهد أكثر مأساوية، الصحفيون في سجون الحوثي يُعذبون حتى الموت، ليسوا مجرمين بل حاملي أقلام، والجامعات أصبحت ساحات ترويج للمحاضرات الطائفية، ودكاترة وأكاديميون تم فصلهم فقط لأنهم لم يُبايعوا "السيد"، والتربويون باتوا مهددين بالتجويع أو الاعتقال إذا لم يُرددوا "الصرخة" في المدارس، ومئات الأطفال يُساقون من الصفوف الدراسية إلى جبهات الموت باسم "الدورات الثقافية"، ثم يعودون إلى أهاليهم جثثاً ملفوفة بأعلام ليست أعلام اليمن.
في صعدة تمارس الجماعة شكلاً عنصرياً فاضحاً من الطبقية؛ الهاشمي في مرتبة "السيد"، والبقية "عبيد"، و"أدوات"، لا يجوز لهم حتى التفكير في إدارة الدولة، في عمران وذمار وإب وحجة وريمة والبيضاء تفجرت منازل المخالفين سياسياً، وكذلك يُدار القضاء بأوامر مباشرة من جهاز أمني غير شرعي، وهكذا تحولت البلاد إلى معتقل كبير، وخطاب الحوثي إلى نسخة ممسوخة من كهنوت القرن الثالث عشر، مغلفة بهالة إلهية زائفة.
والأدهى أنه لا يزال يتحدث عن "السيادة" بينما قراره مرهون بطهران، ويتحدث عن "الاستقلال" بينما السفن المحملة بالسلاح تُدار من الحرس الثوري، يتحدث عن "الهوية الإيمانية"، بينما يدوس على هوية اليمن المتجذرة في الكرامة، والتعدد، والانفتاح، والرفض القاطع للاستبداد؛ لكن التاريخ لا يرحم فالمشاريع التي تُبنى على العنصرية والعبودية واحتقار الآخر مصيرها السقوط، الحوثي يعتقد أنه "سيد" وأن اليمنيين عبيد، وأنه "مختار الله"، وأن من يعارضه خائن أو مرتد أو "ناصبي"، هذا الوهم هو ذاته الذي أسقط الإمامة في 1962، وسيسقطه اليوم الشعب اليمني الذي صنع ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، لا يمكن أن تحكمه جماعة تعيش بعقلية الكهف وتتحدث بلغة السوط والدم والفرز العنصري.
على الحوثي إن كان في عروقه قطرة دم يمنية مع أني اشك في ذلك أن يتوقف فوراً، وأن يدرك أن لا أحد فوق الوطن وأن استمراره في الاستحواذ على مقدرات الدولة لن يقود إلا إلى الخراب، لا شرعية له، ولا مستقبل له، إلا إذا سلم مؤسسات الدولة وانخرط في سلام عادل يُنهي الحرب ويعيد لليمن دولته، أما إن أصر على وهم "الجمهورية المذهبية" فسينتهي كما انتهى سادة الخراب في سوريا ولبنان وطهران، ولن يجد قبراً يُدفن فيه، لأن الأرض لا تحتضن من خانها؛ اليمن سيستعيد دولته بصبر رجاله وبوعي نسائه وبإرادة لا تُقهر، ومهما طال ليل الكهنوت فإن فجر الجمهورية قادم لا محالة، وسيُكتب على بوابات صنعاء ذات صباح (هنا سقط آخر الطغاة).