المليشيا تخشى من لا يُبايع أكثر ممن يُقاتل.. وإب أكبر مثال

02:27 2025/07/20

في بلد أنهكته الحرب حيث أصبحت حياة الناس رهينة فوهة بندقية، لا تزال هناك مناطق تثير رعب الميليشيا لا بتمردها العسكري بل بوعيها الفكري، وأبناء محافظة إب مثال حي على ذلك، فهذه المحافظة التي تُعرف بطبيعتها المسالمة وثرائها الثقافي باتت اليوم مسرحاً لحرب صامتة تخوضها ميليشيا الحوثي ضد الكلمة والفكر والضمير بعد أن فشلت في تدجينها كما فعلت في المناطق الأخرى المسيطرة عليها؛ الذين يُعتقلون في إب ليسوا قادة جبهات ولا حاملي سلاح بل حملة أقلام، أساتذة جامعات، تربويون، إعلاميون، وناشطون مدنيون جميعهم يواجهون بطش الميليشيا فقط لأنهم لم يصفقوا ولم يبايعوا ولم يتورطوا في تمجيد مشروعها، البعض اُعتقل لمجرد إلقاء محاضرة عن حرية الرأي، وآخرون اُختطفوا من منازلهم بعد رفضهم إرسال طلابهم وأبنائهم إلى فعاليات حوثية ذات طابع تعبوي طائفي تُفرض على المدارس والجامعات بشكل يومي، والبعض بسبب كلمة قالها أمام احد الزملاء والبعض بسبب منشور على حسابة في مواقع التواصل الاجتماعي؛ ما يحدث اليوم في محافظة إب ليس مجرد قمع تقليدي بل هو نموذج مرعب لحكم شمولي يريد اقتلاع كل أشكال التفكير الحر، استهدف مربون لأنهم رفضوا تحويل المدارس إلى منصات تجنيد، وتعرض أساتذة جامعات للتحقيق والتهديد والسجن لأنهم لم يدرجوا "الثقافة القرآنية" الحوثية ضمن مناهجهم، والإعلاميون هم الحلقة الأضعف تكمم أفواههم بقوة ويُرهبون حتى لا ينقلوا حقيقة ما يحدث في الميدان: من تجنيد الأطفال، إلى نهب المساعدات، إلى فرض الجبايات، وحتى الإعدامات الميدانية المغلفة بأحكام صورية من محاكم تابعة للجماعة.
مليشيا الحوثي تعلم أن من يُسكت صوت العقل في محافظة إب يقطع شريان الوعي عن الناس، ولهذا لا يوفر وسيلة إلا ويستخدمها، من التهديد إلى الاختطاف إلى التشهير، إلى محاولات الإذلال العلني لكل من يعارض أو حتى يتردد في تأييد هذه المليشيا، لم تسلم المساجد ولا المدارس ولا الجامعات ولا المراكز الثقافية من هذه الحملة فكل منبر لا يردد شعاراتهم يغلق أو يصادر وكل صوت لا يهلل لهم يُكمم أو يُعتقل؛ والمفارقة أن هذه الحملات ليست رد فعل على تمرد مسلح أو نشاط تنظيمي معادٍ، بل على حالة من الوعي المجتمعي الرافض للمشروع الحوثي، هذه هي المشكلة الكبرى بالنسبة للميليشيا أن ترى الرفض في أعين الناس، حتى عندما لا يُقال أن تشعر بأن المجتمع لا يثق بها، حتى عندما يصمت، وأن تدرك أن الجغرافيا التي احتلتها بالسلاح لم تخضع لها بالروح والعقل؛ والدليل على ذلك إن كل المؤسسات الحكومية في المحافظة والمكاتب الإدارية والتجارية تُدار من قبل أشخاص من خارج المحافظة غالباً من صعدة أو ذمار أو عمران سلاليين وعنصريين.
أبسط ما نقول في هذا المقام بأن محافظة إب تدفع اليوم ثمن وعيها فهي لم تشهر السلاح لكنها لم تشهر الولاء ومن يشهرون الولاء هم من خارج المحافظة وليسوا من أبناء المحافظة، ولم تهاجم لكنها لم تبايع، وهذا في قاموس مليشيا لا تؤمن بالتعدد ولا تحترم الحقوق هو أكبر جريمة؛ ولهذا اختارت الميليشيا أن ترد على هذا "التمرد الصامت" بحملة تطهير فكري ومجتمعي تستهدف كل من لا يُصفق وكل من لا يهتف وكل من لا يبيع ضميره؛ ورغم كل ما ارتكبته هذه المليشيا بحق هذه المحافظة وابناؤها لكنها لم ولن تُكسر فالصمت فيها ليس خضوعاً، بل صموداً، والإصرار على الحياة الكريمة في وجه آلة القمع ليس ضعفاً بل بطولة من نوع مختلف تلك البطولة التي لا تُصنع في الخنادق بل في صفوف المدارس والجامعات، وبين سطور المقالات التي تُكتب خلسة، أو تُحكى همساً ولكنها تصل وتؤلم وتخيف؛ الميليشيا الحوثية تخشى محافظة إب لأنها تعرف أن السيطرة على الأرض لا تعني السيطرة على العقول، وهذه المحافظة برغم القمع لا تزال تحتفظ بعقلها وكرامتها وذاكرتها؛ ولهذا ستبقى تؤرق مضاجع الاستبداد لأن أبناءها لا يركعون إلا لله ولا يروض لهم وعي غير المعرفة المثبتة ببراهين.