تشهد الساحة اليمنية سلسلة من الإجراءات الحكومية والرقابية غير المسبوقة، تستهدف ضبط سوق الصرف وتنظيم الاستيراد وكبح جماح الأسعار، في ظل تحسن ملحوظ في قيمة العملة الوطنية.. وتأتي هذه الخطوات ضمن استراتيجية شاملة يقودها البنك المركزي والحكومة والسلطات المحلية، بدعم من مجلس القيادة الرئاسي، لإعادة الاستقرار الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
ففي إطار الجهود الحكومية لضبط تدفقات النقد الأجنبي، دشنت اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات آلية جديدة لتنظيم عمليات استيراد السلع الأساسية عبر القنوات الرسمية، والحد من الفوضى في سوق الصرف؛ وأوضح محافظ البنك المركزي أحمد غالب، أن هذه الآلية تلزم البنوك وشركات الصرافة بتنفيذ عمليات المصارفة بسعر صرف موحد ومعتمد، بما يضمن وصول العملة الأجنبية إلى المستوردين الفعليين ويحد من المضاربة.
وبالتوازي، بدأ الفريق التنفيذي للجنة مهامه في تغطية الطلبات المقدمة من البنوك وشركات الصرافة، بالسعر المحدد 1633 ريالاً لكل دولار و428 ريالاً لكل ريال سعودي، داعياً التجار والمستوردين إلى تقديم طلباتهم عبر القنوات المعتمدة لمراجعتها والبت فيها وفق الآلية الجديدة.
من جانبه، عقد مجلس إدارة البنك المركزي اجتماعه الدوري في عدن، مستعرضاً تطورات الأوضاع المالية والنقدية، ومؤكداً ضرورة استمرار الإجراءات الصارمة ضد المضاربة وأنشطة الصرافة غير المرخصة؛ وأصدر المحافظ قرارات بإغلاق عدد من شركات ومنشآت الصرافة المخالفة، شملت منشأة "أحمد القاضي كاش" وفرعي شركتي "الشعيبي" و"صلاح بن عوض" بعد ثبوت مخالفاتها.
على المستوى الحكومي، التقى نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عبدالرحمن المحرمي، بمحافظ عدن أحمد لملس، لمناقشة الصعوبات الأمنية والخدمية وآليات ضبط الأسعار بعد تحسن العملة؛ وشدد المحرمي على ضرورة مضاعفة الرقابة الميدانية، مشيراً إلى أن عدن يجب أن تكون نموذجاً أمنياً وخدمياً للمحافظات المحررة، مع رفع حافز المعلمين لدعم العملية التعليمية.
كما تابع رئيس الوزراء سالم بن بريك، مع وزير الزراعة والري والثروة السمكية، جهود الرقابة على أسعار المنتجات الغذائية، موجهاً بزيادة النزول الميداني وضبط الأسواق، مؤكداً أن استقرار سعر الصرف وسيلة لتخفيف الأعباء المعيشية وليس غاية بحد ذاته.
وعلى صعيد السلطات المحلية، كثفت محافظة تعز إجراءاتها الرقابية، حيث وجه وكيل المحافظة بتشكيل لجان في كل مديرية لمراقبة الأسعار ومحاسبة المخالفين، فيما حذر مكتب الصناعة والتجارة في مديرية المخا التجار من التلاعب بالأسعار أو إخفائها، داعياً المواطنين للإبلاغ عن أي مخالفات.
وفي محافظة مأرب، شن مكتب الصحة حملة تفتيش على المستشفيات الخاصة، وثق خلالها مخالفات لعدم الالتزام بتخفيض الأسعار، ملوحاً بإغلاق المنشآت المخالفة، فيما أشاد بمستشفى السلام لالتزامه بأسعار أقل من النسب المقررة.
وفي الإطار التوعوي، عقدت مأرب ندوة اقتصادية أكدت على ضرورة دعم الإصلاحات الحكومية والبنك المركزي، والالتزام بالتعاملات بالعملة الوطنية، وتبني إصلاحات شاملة لمواجهة التهديدات الحوثية، مع تعزيز الرقابة والمساءلة والشفافية في الإدارة المالية.
تعكس هذه الإجراءات مساراً تصاعدياً في تنسيق العمل بين مؤسسات الدولة لضبط الأسواق وتعزيز الاستقرار النقدي.. الآلية الجديدة للاستيراد تشكل حجر الزاوية في الحد من الفوضى بسوق الصرف، بينما تكثيف الرقابة الميدانية على مستوى المحافظات يسد ثغرات الاستغلال التجاري؛ الدعم السياسي من مجلس القيادة الرئاسي والمساندة من السلطات المحلية إلى جانب التحرك المجتمعي عبر الندوات التوعوية، يعزز فرص نجاح هذه الإصلاحات؛ غير أن التحدي الأكبر يبقى في الاستدامة، حيث يتطلب الحفاظ على التحسن الاقتصادي التزاماً صارماً من القطاعين العام والخاص، ومواجهة أي محاولات للالتفاف على الإجراءات الجديدة.
وتؤشر هذه التطورات إلى مرحلة جديدة من الانضباط المالي والرقابي في اليمن، قد تشكل منعطفاً تاريخياً حقيقياً إذا ما استمرت بنفس الوتيرة والجدية، بما يضمن استقرار العملة وخفض الأسعار وتحسين المعيشة للمواطنين.