بين رسوم جنونية وغش رسمي.. الحوثيون يصادرون التعليم ويحوّلونه إلى مورد حرب وأداة للتجهيل

- صنعاء، الساحل الغربي:
- 10:50 2025/06/29
مع انطلاق العام الدراسي الجديد في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، يُواجه اليمنيون واحدة من أكثر الأزمات قسوة في تاريخ التعليم، حيث لم يعد الذهاب إلى المدرسة يعني التحصيل العلمي بل أصبح يمثل عبئاً اقتصادياً، وواجهة جديدة للنهب والجباية تحت شعارات كاذبة وبقوانين صُمّمت لتكريس الجهل وتغذية آلة الحرب الحوثية.
في العاصمة المختطفة صنعاء ترتفع أصوات أولياء الأمور احتجاجاً على رسوم جنونية فرضتها المدارس الخاصة، إذ تجاوزت كلفة الكتب الدراسية فقط 20 ألف ريال رغم تحديد وزارة التربية الحوثية لرسوم الكتب بما لا يتجاوز 6300 ريال.. غير أن المدارس الخاضعة لما يُسمى بـ"الحارس القضائي" –وهو اليد الحوثية الباطشة التي تدير ممتلكات الدولة والقطاع الخاص– فرضت أعلى الرسوم مستغلةً شهرتها ومكانتها التربوية لاستنزاف الأسر اليمنية لصالح المجهود الحربي.
وباتت الرسوم المدرسية التي تصل إلى أكثر من 300 ألف ريال في بعض المدارس الخاصة تتجاوز قدرة الأسر، في بلد يعيش أكثر من 80% من سكانه تحت خط الفقر؛ وتبرر إدارات المدارس هذه الرسوم بأنها نتيجة مباشرة للإتاوات التي تفرضها المليشيا الحوثية، والتي تُجبرها على تمويل فعاليات ومساهمات إلزامية تحت مسمى "دعم الجبهات".
ومع الانهيار شبه الكامل للتعليم الحكومي بسبب توقف رواتب أكثر من 172 ألف معلم منذ عام 2016 لجأ المواطنون إلى التعليم الخاص، ليجدوا أنفسهم أمام استغلال منهجي وابتزاز علني؛ وتؤكد تقارير اليونيسف أن أكثر من 4.5 مليون طفل يمني خرجوا من مقاعد الدراسة بينما تحولت آلاف المدارس إلى ثكنات أو مقار لمسلحين ونازحين.
المشهد في مديرية ماوية شرق تعز أكثر قتامة، حيث تُفرض رسوم شهرية على طلاب المدارس الحكومية تراوح بين 500 و1000 ريال بذريعة دعم معلمين متطوعين، فيما تُمارَس عمليات ابتزاز ممنهجة حتى في قاعات الامتحانات، حيث يُجبر الطلاب على دفع مبالغ مالية تصل إلى 4000 ريال مقابل السماح لهم بالغش، في منظومة يشارك فيها مسؤولون تربويون ومراقبون متواطئون.
وتشير تقديرات محلية إلى أن مدارس ثانوية مديرية ماوية وحدها تدرّ على المليشيا ما يفوق 33 مليون ريال سنوياً من "رسوم الغش" في ظل غياب أي دور رقابي، وتحويل العملية التعليمية إلى مورد إيرادي متكامل يعزز الجهل والإحباط ويفتت ما تبقى من منظومة القيم التعليمية.
إن سيطرة مليشيا الحوثي على التعليم لم تقتصر على تغيير المناهج وتطييف المحتوى ولكن امتدت لتشمل تجهيل الأجيال واستغلال حاجات الأسر وتدمير ما تبقى من حلم التعليم، عبر سياسات إفقار وتجهيل ممنهجة.. ووسط هذا الانهيار المتسارع يقف ملايين الأطفال عاجزين أمام مستقبل يُباع لمن يدفع ويُمنع عمّن لا يملك.