03:03 2025/06/07
في رقصة الظل الطويل ينقلب السحر على كاهنه
قبل 5 ساعة و 15 دقيقة
هناك في الركن المعتم من الجغرافياالمسروقة من بين صحائف التاريخ ، حيث يتنفس نظام عبر أقنعة الغيب والشعارات، تتهاوى أعمدة القصر العتيق،والمعابد المشيدة بالاوهام، لا لأن الريح اشتدت، بل لأن أساسه كان هباءً مكدّسًا في زوايا الخيال.
الزمن لا يمهل المشعوذين طويلاً. ساعة الرمل المتطاير لا تعرف المجاملة والوقت حين يفيض عن كيله يكشف عُري الحقيقة. وها هو الكاهن الأعلى، بعد عقود من طقوس النار والدخان، يتعثر بعباءته المثقلة بدم الأبرياء وبنقود المرتزقة، وبأحلام الآخرين التي صادرها باسم "الرسالة"وتصدير الخرافة.
ظلّ يُلوّح بسبابة مشتعلة في وجه الدنيا، فيما كانت الأرض التي تحت قدميه تتآكل بصمت. بنى إمبراطورية من ظلال وقش و من أسلاك وأرواح محروقة ولمّا آن وقت الحساب اكتشف أن الظل لا يُقاتِل وأن القلوب التي زُرعت بالخوف لا تحصد الولاء.
لم يفهم أن المجد لا يُصنع في أزقة الخطف والمشانق، ولا يُؤسس في كهوف ميليشيات تسكن أجساد العواصم ولا تنتمي إليها. ظنّ أن السلاح وحده يصنع الحضارة، وأن تمجيد الموت يمنح الخلود، فخسر الاثنين معًا: لم يُخلَّد، ولم يُبْنِ شيئًا.
خانته الفكرة والمحيط قبل أن يخذله خصومه. فقد بصره في ليل صنعاء ثم تاه بين ازقة دمشق وركام بيروت. وها هي السماء، التي طالما توهّم امتلاكها، تضيق عليه كصندوق مغلق، فيما الغربان التي أطلقها لتنهش الآخرين تدور في دوائرها الأخيرة فوق رأسه.
ويا للمفارقة! ظنّ أنه يجسّد "الحق الأبدي" فاستحال إلى عبء على كل قضية. أراد أن يسوق زورا بانه يحرّر فلسطين، فسرق اسمها ليغطّي جرائمه. والقدس، التي تسكن في ضمير العالم، لم تكن يومًا بحاجة لمن يخوض باسمها في المستنقع.
منذ اللحظة الأولى، منذ أن صعد الدجال من بين دموع الثوار، كانت النهايات مكتوبة بالحبر نفسه. رجل أحرق رفاقه قبل أن يجف حبر البيان الأول. ونظام بدأ بالدم، وسينتهي بالرماد.
وفي نهاية المشهد، حين يسقط آخر تمثال في "هيكل المقاومةالواهم"، لن تبكيه الأرض، ولن ترفع صوره الشعوب. وحده التاريخ سيتنهد، كمن أُرغم على سرد فصل كئيب من ملحمة بشرية كانت تستحق أن تُكتب بشكل آخر.