جريمة سوق فروة.. الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي

  • خاص - الساحل الغربي
  • 09:51 2025/04/21

في واحدة من أبشع الجرائم سقوطاً على المستويين الأخلاقي والإنساني، فجّرت مليشيا الحوثي فضيحة مدوّية، بعدما سقط صاروخ دفاع جوي أطلقته الجماعة ذاتها على سوق فروة الشعبي في مديرية شعوب وسط صنعاء، مخلّفاً قتلى وجرحى من المدنيين.. إلا أن الجريمة لم تقف عند حدود الدم بل أعقبتها جريمة أشد دناءة: "المتاجرة بالأشلاء" كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته... بدمٍ بارد ووجهٍ لا يعرف الخجل.
 
الحادثة التي وثّقها مواطنون بمقاطع مصورة وأكّدتها شهادات ميدانية، سعت الجماعة بسرعة إلى طمس معالمها عبر تطويق المنطقة أمنياً، ومنع الصحفيين من التصوير وترويج رواية مفبركة تزعم أن القصف ناجم عن غارة أمريكية؛ غير أن الزلة هذه المرة جاءت من داخل المعسكر الحوثي ومن أحد أبواقه الموالية، حين نقل الباحث العسكري الحوثي عبدالغني الزبيدي تغريدة للإعلامي عبدالله الفرح مدير مكتب شبكة الميادين بصنعاء، والذي خرج عن النص وسأل: "ما هذا الغباء؟ سوق شعبي ويمنعون تصويره؟ ولماذا تمنع القنوات الدولية المؤيدة للحوثيين من تغطيته؟" متسائلاً عن سبب منع التغطية حتى مع الجرحى، ليضع بذلك أول مسمار في نعش الرواية الحوثية ويفضح الجريمة وملابساتها من قلب الحدث.
 
"ما هذا الغباء؟!" صرخة لم تكن فقط عنواناً للتغريدة ولكن فضيحة مجلجلة لطريقة إدارة الدم والكذب معاً، وعنواناً صريحاً لانكشاف الحقيقة... فحين تساءل "الفرح" عن حظر التصوير ومنع القنوات الصديقة من تغطية ما حدث، كان يوقّع شهادة إثبات على أن الجريمة وقعت من الداخل... وأن القاتل يحاول تغطية أثر الدم بطين الأكاذيب.
 
هكذا سقط الفرح... لا في الخطأ بل في الحقيقة.. وسرعان ما لحق به وابل من الردود، بعضها غاضب وبعضها ساخر وبعضها ببساطة فضحت ما لا يجب أن يُقال وما حاولت الجماعة إنكاره.. كتب أحدهم: "بدأت تستخدم عقلك... بس لو تواصل قليل، بتوصل للحقيقة: الحوثي هو من قتل الأبرياء ليستعطف بهم العالم"؛ وعلّق آخر: "الصاروخ حوثي... والسوق للشعب... أما الغارات الأمريكية، فلها شكلها ودقتها"؛ بينما أشار ثالث: "الصاروخ حوثي إيراني... لكنهم يقولون أمريكي، ويمنعون الصحفيين من تصوير بقاياه لأنه سيفضحهم"؛ حتى التعليقات المهووسة بنظرية "المندس" لم تستطع حجب غبار الحقيقة المتصاعد من أشلاء الضحايا.
 
ففي نظرية "المدري" — ذاك المصطلح الحوثي الذي أصبح مرادفاً للفرار من المسؤولية والجبن السياسي — حاولت المليشيا تكميم الفاجعة وطمس الرائحة ولملمة الجثث لإعادة استخدامها في معارض البكائيات؛ لكنها نسيت أن الشعب لم يعد أعمى وأن ذاكرة اليمني مهما حاولوا كشطها لا تنسى وجه الصاروخ ولا الدم اليمني المسكوب على الجدران.
 
تصريح الفرح وردود الفعل التي تبعته، كانت كمرآة صدئة انكسرت فجأة لتكشف ما خلفها: جماعة تتاجر بأشلاء الفقراء وتحوّل جراحهم إلى منصات صاروخية للتعبئة... لا للكرامة؛ أما تهديدات المشاط اللاحقة لكل من "يفضحهم" فليست سوى محاولة بائسة لتغليف القذارة بورق التهديد.
 
لم تكن الجريمة في سقوط الصاروخ وحده بل في كل ما تلاها: من التعتيم والتضليل الى منع التصوير وتلفيق التهم وتشويه الحقيقة وشيطنة من يكشفها، وتحويل دماء الضحايا إلى وقود لحملات دعائية، في نموذج صارخ لـ"الوحشية السياسية" التي تمارسها الجماعة تحت عباءة "المسيرة القرآنية".
 
هذا هو الحوثي... وهذه هي صنعاء، المدينة التي كانت يوماً تصدّر القهوة والكتاب، فإذا بها اليوم تصدّر الدجل المغلف بالدم.
 
وفي الختام لسنا بحاجة إلى تحليل استراتيجي لفهم ما يجرى.. فالحقيقة ببساطة تمشي في الأرجاء حافيةً... تحمل لافتةً كتب عليها: "الصاروخ منا وفينا... والموت أيضاً".
 
وصدق أحد المعلقين حين قال:
"سقف المنزل سيسقط، وأنتم ما زلتم مختلفين على لون الستائر".
 
فيا أهل صنعاء... احذروا ستائر الحوثي، فإنها مبللةٌ بدمائكم... ومغلفةٌ بأوهام الولاية.

ذات صلة