حملات التخوين وصراع الهوية في المعركة الوطنية

  • أحمد حوذان
  • قبل 1 ساعة و 52 دقيقة

مع كل منعطف سياسي تشهده اليمن، تعود إلى السطح موجة من المماحكات والسجالات، وكأن ثأر اليمنيين لم يُحسم بعد، أو كأن العدو لم يعد واضحًا بما يكفي. وفي كل مرة يلوح فيها أفق لاصطفاف وطني حقيقي، تُستدعى لغة التخوين، وتُفتح معارك جانبية تُبعد البوصلة عن وجهتها الصحيحة. وفي خضم هذا المشهد الملتبس، تتعرض قوات حراس الجمهورية، ممثَّلة بقائدها الفريق الركن طارق محمد عبدالله صالح، لحملات تشكيك لا تنفصل عن حالة الاستقطاب التي لا تخدم إلا الحوثي ومليشياته.
حراس الجمهورية، في كل تحركاتهم وتدريباتهم، يحملون علم الجمهورية خفّاقًا، لا راية غيرها ولا مشروع سواها. هذه حقيقة ميدانية ثابتة، لا شعارًا للاستهلاك الإعلامي. ومع ذلك، يُطرح سؤال عبثي: ماذا نسمّي هؤلاء؟ وهل يُعقل أن يُوصَف من يواجه مليشيا انقلابية سلالية، ويقاتل تحت راية الجمهورية، بأنه انفصالي؟ إن هذا الطرح لا يسيء إلى حراس الجمهورية وحدهم، بل يسيء إلى منطق المعركة الوطنية برمّتها.
التاريخ القريب يقدّم الإجابة الأوضح. فقد سالت دماء آباء وأجداد هؤلاء في جبال ردفان جنبًا إلى جنب مع الشهداء الجنوبيين الأوائل، وفي مقدمتهم الشهيد راجح بن غالب لبوزة ورفاقه من أبطال ثورة 14 أكتوبر. كانت تلك معركة وطنية جامعة ضد الاستعمار البريطاني، شارك فيها الجنوب ببسالة، وساندها أحرار الشمال دعمًا وإسنادًا، حين كان الدم اليمني واحدًا، والثأر واحدًا، والبندقية موجّهة نحو العدو لا نحو الداخل.
هؤلاء العمالقة، بالأمس واليوم، لا يحملون أهدافًا ملتبسة ولا مشاريع خفية. أهدافهم واضحة لا لبس فيها: مواجهة مليشيا الحوثي، والثأر لدماء الشهداء، وإسقاط المشروع الكهنوتي الذي يستهدف الجمهورية ووحدة المجتمع، ويعيد إنتاج الاستبداد بثوبٍ سلالي. ومن الظلم اختزال هذا المسار الوطني في توصيفات ضيقة لا ترى إلا بعين الخلاف.
واليوم تتكرر الصورة نفسها؛ المقاومة الوطنية والجيش الوطني في مأرب يشكّلان لحمةً واحدة، في خندق واحد، وبروح جمهورية واحدة، يواجهون الحوثي ومليشياته باعتبارهم العدو المشترك، والخطر الحقيقي على الدولة والمجتمع.
إن حملات التشويه وتوزيع التهم لن تغيّر حقيقة راسخة: ثارُ اليمنيين مع الحوثي ومليشياته، لا مع بعضهم. والمعركة ستبقى وطنية جامعة، وراية الجمهورية ستظل الجامع الأكبر، وكل ما عدا ذلك ليس إلا ضجيجًا يخدم الانقلاب ويؤخّر لحظة الخلاص.

ذات صلة