المخا.. حين يعانق العيد ثورته وتُكتب بالجموع ملحمة سبتمبر

- أمين الوائلي، الساحل الغربي:
- قبل 12 ساعة و 2 دقيقة
بدت المخا ليلة العيد الجمهوري كأنها سفينة الوطن كله، تمخر عباب الذاكرة والتاريخ نحو مرفأ الحرية.. كل شارع فيها تحوّل إلى نهرٍ من الأعلام، وكل نهر صبَّ في ساحة الاحتفال التي غدت محراباً جمهورياً عظيماً، حيث الجماهير تسجد للحرية وقوفاً، وتكبّر للجمهورية هتافاً.
الحشود التي توافدت من القرى والمديريات كانت أمواجاً من الإصرار، خرجت لتعلن للعالم أن «اليمني» وإن جاع أو شُرّد أو حوصر، لا يساوم على جمهوريته ولا يتنازل عن كرامته وحريته.
رأيتَ في عيون الشيوخ دموعاً ثقيلة كأنها بقايا قرون من القهر الإمامي، ورأيتَ في عيون الأطفال شرارات فجرٍ قادم لا يشبه أي فجرٍ مضى.
أعلام الوطن كانت "أجنحة التاريخ" تعود للتحليق فوق سماء اليمن، كأنها طيور العنقاء تنهض من رماد الإمامة لتبشّر بالخلود... أما الهتافات فقد بدت كأنها مدافع تقصف جدران الظلام، وصوتٌ جماعي يردّد:
الجمهورية قدر، والثورة عهد، والحرية حياة أو موت.
تحيااا تحياااا الجمهورية اليمنية.
الكلمات التي أُلقيت في المهرجان بدت كأنها وصايا الأجداد تُتلى على أحفادهم..
حين تحدّث القادة والمشاركون، كان كل حرفٍ رصاصةً في صدر الكهنوت، وكل جملةٍ شمعةً في ليل البلاد الطويل.
جاء تصريح الفريق أول ركن طارق صالح، كصدى لصوت سبتمبر الأول:
«سبتمبر كان يوماً فاصلاً في تاريخ اليمن، كسر أوهام الحكم الطائفي وأعلن الجمهورية فكرةً وثورةً ودولةً... لا مكان فيه للمستبدين ولا للغاصبين، وإنما دولة قائمة على الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية والسيادة والاستقلال».
كلمات، تُذكّر كل يمني أن الثورة ليست ماضياً يُحتفل به، لكنها حاضرٌ يُحمل على الأكتاف، ومستقبلٌ يُزرع في القلوب.
الأغاني الوطنية في المهرجان كانت ألحان الدماء التي سالت على جبال اليمن، والقصائد الشعرية كانت أقواس قزح تربط وجع الماضي بفرح المستقبل.
كل شيءٍ في المخا هذه الليلة كان يُعلن أن اليمنيين ليسوا أمةً تُستعبد مرتين، وأن الجمهورية ليست نظام حكم، لكنها دينٌ دنيويٌّ يحفظ كرامة الإنسان.
وفي ختام الليلة السبتمرية، لم تُطفأ الأضواء ولم تُسدل الستائر، لأنه لم يكن عرضاً، لقد كان طقساً مقدساً، أعاد فيه الشعب كتابة عهده الأبدي مع سبتمبر.
كانت المخا تقول للعالم:
قد تتأخر المعارك، لكن الوهج والإرادة التي وُلدت في فجر سبتمبر، لا تموت ولا تهرم.
وهكذا، خرجت المخا من ليلتها السبتمبرية أكثر من مجرد مدينة، لقد خرجت رمزاً لوحدة الصف الجمهوري، ومرآةً لروح الثورة، وصوتاً يجلجل عبر البحر: الجمهورية باقية ما بقي الإنسان اليمني على هذه الأرض.