لم يعد المشهد في اليمن بحاجة إلى خبراء تحليل سياسي ولا إلى منجّمين؛ خطاب عبدالملك الحوثي الأخير كفيل بكشف المسرحية كلها: زعيم مليشيا محشور في زاوية الهزيمة، يحاول الهروب من مواجهة من صفعه في الميدان، عبر صبّ جام غضبه على الداخل المرهق أصلاً.
فالمنطق هنا مقلوب: إسرائيل تضرب قلب الجماعة وتُبخر قياداتها، لكن "السيد" بدلاً من أن يهاجم الكيان، اختار أن يعلن الحرب على المواطن اليمني، وكأن الشعب –لا الطائرات– هو من أسقط رجاله؛ وهنا يطلّ علينا العبث في أبهى صوره: العدو في الخارج يقتل قادة المليشيا، والانتقام يُمارَس في الداخل على الجائعين والمقهورين.
وزارة الدفاع الحوثية لم تتأخر، إذ سارعت وبعد لحظات من القصف في تقديم وصلة "التطمين": السيد بخير، والقيادات بخير، أما المدنيون فهم مجرد ديكور في نشرة الأخبار –فما يحدث هو استهداف لأعيان مدنية– ذلك البيان الهزيل لم يخفِ رسالته: الأرواح تُقاس بمدى قربها من الحلقة الضيقة للقيادة، وما عدا ذلك فهو مجرد أرقام قابلة للنسيان.
اقتصادياً، يعيش الداخل حالة أشبه بمريض في غيبوبة: لا تنفّس اصطناعي سوى ما يدرّه "اقتصاد الحرب"، حيث السوق السوداء تحوّلت إلى وزارة مالية فعلية، والجبايات اليومية أصبحت المورد الأكثر "استقراراً"... وفي ظل هذا الانهيار، يظهر الحوثي ليحدّث الناس عن "الصمود" و"المسار التصاعدي"، وكأن البطون الفارغة يمكن أن تُشبعها الصواريخ والشعارات.
فمن يختبئ خلف قناع "المقاومة" وهو عاجز عن مقاومة الحقيقة، لا يملك سوى سلاح واحد: تحويل الهزيمة إلى خطاب نصر، وتحويل الضحية إلى خائن محتمل؛ ولعلّ أبلغ وصف للحالة هو ما قاله أحد الفلاسفة: الاستبداد لا ينهار حين يُهزم بل حين يكتشف الناس أنه كان مهزوماً منذ البداية.
هكذا يقف الحوثي اليوم: زعيم يتوعّد إسرائيل على المنابر، بينما يشنّ حربه الحقيقية على الشعب اليمني.. مشهد تختصره عبارة واحدة: هزيمة صاخبة، مغطاة بورق سلوفان من الشعارات الفارغة.