ساعة ونصف كشفت أن اليمن رهينة في سجن كبير اسمه الانقلاب

  • خاص - الساحل الغربي:
  • 12:22 2025/08/24

في بلدٍ باتت فيه الحرية ترفاً ممنوعاً، تحوّل لقاء أسري قصير إلى حدث جلل يفضح طبيعة السيطرة الحوثية القائمة على القمع والخطف والتنكيل والابتزاز.
 
الناشطة اليمنية "سارة الفائق" المديرة التنفيذية للائتلاف المدني للسلام –وبعد أكثر من عام في غياهب السجون– خرجت من جدران المعتقل لتقضي ”ساعة ونصف“ فقط مع أطفالها وزوجها، تحت عيون الزينبيات وعناصر المليشيا، وبين جدران منزلها الذي بدا أقرب إلى قاعة تحقيق منه إلى بيت دافئ.. ثم عادت مباشرة إلى زنزانة الخوف التي يديرها الحوثي.
 
المشهد كان أقرب إلى فيلم تراجيدي قصير:
أطفال يبكون ويصرخون "ماما، لا تذهبي!"، وزوج يحاول تهدئة اللحظة، وجيران يصفون المشهد بأنه "درامي ومؤلم حتى العظم".
لكن في النهاية، انتهت الزيارة القصيرة كمن يشرب جرعة ماء مالحة في صحراء عطشى.
الحرية هنا لا تُمنح، لكنها تُقاس بالدقائق وتُدار كما لو كانت عقود إيجار مؤقتة تحت الحراسة.
 
سارة، التي كرّست حياتها لبناء الحوار المجتمعي ودعم النساء في مناطق النزاع، تحوّلت إلى عدو في عيون الحوثي.
ولأن الجماعة لا تحتمل أي صوت مستقل، اختارت أبسط الحيل: اتهامها بأنها جزء من "شبكة تجسس مرتبطة بالموساد والسي آي إيه"!
اتهام جاهز ومعلّب يُستخدم ضد كل ناشط، وكل صحفي، وكل عامل إغاثة.. وكأن العدو الحقيقي للمليشيا ليس إسرائيل ولا أمريكا، بل الأم اليمنية التي تطالب بسلام وحرية وعيش كريم.
 
هكذا تمارس المليشيا لعبتها: تمنح الضحية "كسرة خبز" من الحرية لتغطي على جريمة السجن الطويل.
فمنذ اختطاف سارة، التي لم تُقدَّم لمحكمة، ولم تُواجه تهمة، ولم يُسمح لها حتى بزيارات منتظمة لعائلتها، ولم تُمنح أي ضمانة قانونية، يُفرج عنها بالقطارة وبنظام الحجز بالساعة؛ ليس إكراماً لحقوقها ولكن استعراضاً لسلطةٍ تتفنن في إذلال الضحايا وعائلاتهم.
 
لا يحتاج الأمر إلى كثير من التحليل.
فحين تمنع مليشيا الحوثي موظفي الأمم المتحدة من لقاء أسرهم، وتختطف ناشطات مدنيات بتهم هلامية، وتسمح لهن بـ"زيارة أسرية مشروطة" وكأنها تُدخل الماء إلى زنزانة عطشى، فهذا ليس اعتقالاً..
إنه اخفاء قسري مغلف بورق الشعارات الكاذبة، وانتهاك صارخ للقانون الدولي.
 
منظمات حقوقية وصفت ما يجري بأنه "احتجاز خارج القانون" فيما كتب أحد النشطاء:
«حتى الاحتلال لا يمنح الحرية بنظام الساعة والنصف.. الحوثي ابتكر نسخة يمنية من الجريمة: حرية مؤقتة تحت الحراسة».
 
هذه الجريمة ليس ملفاً فردياً؛ فالمليشيا تحتجز اليوم عشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وتُقايض بهم في بازارها السياسي، وكأنها تقول للمجتمع الدولي:
«حققوا ما نريد.. نطلق من تريدون».
 
وهنا تكمن المأساة: جماعة تُدير البلاد كأنها سجن جماعي، وتعتبر أي نافذة صغيرة للحرية مجرد وسيلة لتذكير الضحايا بأن السقف بيدها وحدها.
 
ساعة ونصف من لقاء سارة الفائق بعائلتها ليست استثناء؛ إنها عينة من سياسة عامة ومرآة لواقع كامل: قمع منظم لكل من لا ينخرط في خطاب المليشيا.
هيمنة تامة على الإعلام، واختطافات بالجملة، ومقايضات بشعة مع المجتمع الدولي.
جماعة لا تعترف بالقانون، ومجتمع يُدار بالخوف، وحرية تُقاس بالقطارة.
 
ساعة ونصف تعني لنا جميعاً شيئاً واحداً:
أن الحوثي لا يدير بلد، بل يُكرس سجناً واسعاً، يفتح نوافذه أحياناً بالقطارة وبمزاجية ليُثبت أنه "كهنوت" يقايض بأرواح الأبرياء.
 
فالرسالة واضحة: في قانون الحوثي لا يوجد مواطنون.. هناك رهائن فقط.
وسارة، التي خرجت من زنزانتها ساعة، عادت لتُثبت أن الحرية في اليمن لا تزال محتجزة في زنزانة أكبر.. اسمها "الانقلاب".

ذات صلة