عودة لاريجاني إلى قيادة الأمن القومي: كيف تُعيد إيران هندسة عقلها الاستراتيجي؟

07:03 2025/08/06

أعلنت طهران رسميًا في 5 أغسطس 2025 تعيين علي لاريجاني أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، خلفًا للجنرال علي أكبر أحمديان المحسوب على الحرس الثوري المتشدد، وذلك بمرسوم من الرئيس مسعود بزشكيان "بتوجيه من خامنئي وتأكيد من مكتب المرشد الأعلى" (Reuters, 2025).
ويمثّل هذا التعيين عودة لاريجاني إلى المنصب الذي تولّاه سابقًا بين عامي 2005 و2007، عندما قاد مفاوضات طهران النووية مع القوى الغربية، قبل أن يستقيل بسبب تباينات في الرؤى داخل أروقة السلطة.
ورغم ترشّحه ثلاث مرات للانتخابات الرئاسية، كان آخرها في 2024 بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، إلا أن مجلس صيانة الدستور استبعده في 2021 و2024، في مؤشر على تراجع نفوذ التيار المحافظ المعتدل وتصاعد هيمنة المتشددين.
ويُعد لاريجاني من السياسيين البارزين، تولّى رئاسة البرلمان، ووزارة الثقافة، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، وكان يمثل المرشد الأعلى في محطات حرجة. وينتمي إلى عائلة نافذة، من أبرز رموزها شقيقه صادق لاريجاني، الرئيس السابق للسلطة القضائية.
 
أهمية المجلس الأعلى للأمن القومي
يُعد المجلس أحد أهم مؤسسات القرار الاستراتيجي في إيران، خاصة في ملفات الأمن الإقليمي والنووي، وتخضع قراراته لموافقة المرشد الأعلى قبل تنفيذها.
ويأتي تعيين لاريجاني في توقيت حساس، وسط تصاعد التوتر مع إسرائيل والولايات المتحدة، ويُقرأ كرسالة داخلية وخارجية لاستدعاء نهج أكثر براغماتية لإدارة المرحلة.
ولا يمثّل هذا التعيين مجرّد تبديل إداري، بل تحوّل في العقل الاستراتيجي للنظام، بعد تعرّضه لهزات أمنية واستخباراتية خطيرة في السنوات الأخيرة، مثل اغتيال فخري زاده (2020)، وتفجيرات نطنز (2021)، وتفجير دمشق (2024)، والقصف الأمريكي والإسرائيلي على منشآت نووية، ومقتل قيادات عسكرية وعلماء (NY Times, 2024).
هذه التطورات كشفت هشاشة الردع الإيراني، وعمّقت الانقسامات بين الحرس الثوري ووزارة الأمن، وبين دعاة التصعيد ومراكز تدعو لترشيد المقاربة الأمنية (Al Monitor, 2024).
 
في هذا السياق، تبدو عودة لاريجاني محاولة لإعادة التوازن بين المؤسسية والعسكرة، بين الدولة والعقيدة، وهو ما يفسّر تراجع الهجمات الحوثية في البحر الأحمر بنسبة 40% منذ يونيو 2025 (Lloyd’s List Intelligence)، وتصريحات مهدي المشاط عن "أولوية السلام".
التعيين أيضًا يحمل بعدًا رمزيًا لتعديل وظيفة الأذرع الإقليمية: كالحوثيين، وحزب الله، والحشد الشعبي، والتي تتبع "فيلق القدس" الذي يخضع لإشراف المجلس الأعلى. أي تغيير في بنية المجلس أو توجهاته سينعكس على تلك الأدوات، لا من حيث الإلغاء، بل من حيث نمط الاستخدام والوتيرة والخطاب.
 
توقّع بعض المراقبين إعادة هيكلة التنسيق بين الحوثيين وفيلق القدس من صيغة مباشرة إلى نمط أكثر مؤسسية، بهدف تهدئة إيقاع التصعيد دون إنهائه. كما قد يُعاد توجيه خطاب الحوثيين من "نصرة غزة" إلى "الدفاع عن السيادة اليمنية"، في ظل تسريبات عن لقاءات إيرانية غربية برعاية قطرية لمناقشة التهدئة البحرية.
(راجع Al Jazeera Arabic, Doha News – يوليو 2025).
 
خليجيًا، يعكس تعيين لاريجاني رسالة مزدوجة:
من جهة، هو إحياء للمسار التفاوضي الذي بدأ في عهد روحاني وتلاشى في عهد رئيسي؛ ومن جهة أخرى، لا يشير إلى انحسار أدوات النفوذ الإيراني، بل إعادة تموضعها بشكل أكثر مرونة وتعقيدًا.
فقد تستمر طهران في استخدام أدوات ناعمة داخل البحرين والكويت وشرق السعودية (إعلام، تمويل، نخب دينية)، تحت غطاء تفاوضي علني، وهي استراتيجية تقوم على الجمع بين الحوار والتغلغل، بما يُعرف بـ"النفوذ الرمادي".
 
إحياء "مجلس الدفاع" مؤخرًا في إيران يعزز هذا التوجه، ويدل على سعي النظام لكبح تغوّل الحرس الثوري في بعض مفاصل القرار، وإعادة هندسة إدارة الأمن الوطني بشكل أكثر تحكمًا (Financial Times, 2025).
هذا لا يعني أن إيران تتخلى عن مشروعها التوسعي، بل أنها تراجعه تكتيكيًا لتقليل الكلفة، خاصة في ظل انشغال أمريكا بملف أوكرانيا وتايوان، والضغوط الاقتصادية الداخلية، واحتمالات الخلافة بعد خامنئي.
 
فالسؤال الأهم الآن ليس فقط: لماذا لاريجاني؟ بل: هل هذه العودة تمهيد لمرحلة ما بعد خامنئي؟
خصوصًا أن الخلافة السياسية تمر بلحظة رمادية، حيث يتنافس معسكر مجتبى خامنئي، ومراكز القوى التقليدية، على إعادة توزيع مراكز الثقل بعد المرشد.
----
أ.د.عبدالوهاب العوج 
أكاديمي ومحلل سياسي يمني