02:32 2025/09/07
06:53 2025/09/05
07:17 2025/09/03
المخدرات كسلاح جيوسياسي: كيف تستخدم إيران المخدرات لبناء ميليشيات الحوثي وتخريب الخليج
09:28 2025/08/05
ليس سلوك الحوثيين في اليمن بمعزل عن تجربة أقرانهم في "محور الممانعة= المماتعة"، فحزب الله اللبناني ونظام الأسد قدّما النموذج الأخطر لاستخدام المخدرات بوصفها ذراعًا هجومية ذات طابع مزدوج: تمويل عملياتهم، وتفكيك خصومهم، بتوجيه وتمويل مباشر من الحرس الثوري الإيراني.
أولًا: مقارنة حزب الله ونظام الأسد "الساقط" في تجارة المخدرات
استخدم كل من حزب الله ونظام الأسد الكبتاغون المُصنّع محليًا في معامل خاصة داخل سوريا، وقاما بإنشاء طرق تهريب برية إلى الأردن ولبنان، وبحرية من الموانئ السورية نحو الخليج وأوروبا. بينما ينشط حزب الله في إنتاج الحشيش وترويج الكبتاغون لتمويل عملياته وضرب خصومه الطائفيين، اعتمد نظام الأسد الساقط، بعد انهيار اقتصاده، على تصدير الكبتاغون بوسائل أكثر تنظيمًا.
في الحالتين، تتكامل الأدوار ضمن شبكة إيرانية واحدة، حيث يتولى الحرس الثوري عبر "الوحدة 190" تسهيل التهريب والتمويل.
وتكشف وثائق إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA) ضمن مشروع "كاساندرا" أن حزب الله تورط منذ 2008 في شبكة عالمية لغسيل أموال تجارة الكوكايين من أميركا الجنوبية إلى أوروبا، بغطاء من شركات وهمية تابعة للحزب (Politico, 2017).
كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان (2023) أن موانئ طرطوس واللاذقية تُستخدم لتصدير الكبتاغون، بإشراف الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد.
الدوافع مختلفة شكليًا: حزب الله يسعى للتمويل الذاتي بعد العقوبات، بينما يعتمد نظام الأسد على المخدرات كبديل عن الاقتصاد الرسمي. لكن الرابط المركزي بينهما هو إيران، التي تستخدم اقتصاد المخدرات كذراع هيمنة جيوسياسي.
(راجع: تقرير معهد واشنطن 2023، وتقرير نيويورك تايمز 2022، والمرصد السوري لحقوق الإنسان)
ثانيًا: نقل النموذج الإيراني إلى الحوثيين
منذ 2019، بدأ الحرس الثوري الإيراني تنفيذ خطة لنقل "النموذج السوري-اللبناني" إلى مليشيات الحوثي. تقارير أمنية سعودية وخليجية (2023) أشارت إلى تدريب عناصر حوثية في الضاحية الجنوبية ببيروت على تقنيات التصنيع والتغليف، بإشراف خبراء من حزب الله.
كما حولت المليشيا ميناء الحديدة ومرافئ تهامة إلى نقاط شحن وتخزين، بالتنسيق مع خلايا تهريب في البحر الأحمر. السوق المستهدفة داخليًا شملت عدن، مأرب، تعز، وبقية المناطق المحاذية لمناطق الحوثيين، ومنها إلى القرن الإفريقي ودول الخليج عبر المهرة وسقطرى وسواحل خليج عدن والبحر الأحمر والحدود البرية الواسعة مع السعودية و سلطنة عمان.
تؤكد تقارير مجلس الأمن الدولي (2022 و2023) مشاركة مباشرة من حزب الله في تقديم دعم لوجستي وخبرات ميدانية لشبكات الحوثيين، ضمن استراتيجية إيرانية طويلة الأمد.
ثالثًا: الحوثيون واستخدام المخدرات كسلاح داخلي
كشفت تقارير المنظمة اليمنية لمكافحة المخدرات (2023)، وتحقيق قناة الحدث (يناير 2024)، عن ارتفاع حاد في الإدمان بين فئة الشباب في مناطق سيطرة الحوثيين، نتيجة تسهيل وصول الحبوب المخدرة والحشيش. ويتم استغلال المدمنين لاحقًا في التجنيد أو الابتزاز أو الزج بهم في جبهات القتال دون وعي أو مقاومة.
كما أشارت بيانات "الهيئة العامة للجمارك اليمنية" (عدن، 2023) إلى أن معظم الشحنات التي تم ضبطها قادمة من مناطق الحوثيين، مرورًا بمنافذ مثل شحن والغيضة. وتؤكد منظمة "رصد للحقوق والحريات" أن المخدرات تُستخدم في "المعسكرات الصيفية" كوسيلة ترويض وتطويع للمجندين القُصر.
وفي هذا السياق، برزت جهود ملموسة للمقاومة الوطنية في الساحل الغربي، حيث نجحت خلال السنوات الثلاث الماضية في ضبط العديد من شحنات المخدرات والأسلحة، كانت في طريقها إلى الحوثيين عبر البحر الأحمر. ووفق بيانات خفر السواحل ومكتب أمن المخا (2022–2024)، حيث تم إحباط عمليات تهريب متكررة، بما فيها كميات ضخمة من الكبتاغون، مما رسّخ حضور الدولة في إحدى أخطر الجبهات البحرية.
رابعًا: استراتيجية إيران في الهيمنة الرمادية
تعتمد إيران على ما تسميه بعض الدراسات الغربية بـ"الهيمنة الناعمة الخشنة"، وهي خليط من أدوات خفية مثل تجارة المخدرات، غسل الأموال، التهريب، والسيطرة على الاقتصاد غير الرسمي في الدول الهشة.
دراسة صادرة عن RAND (2020) بعنوان “Iran’s Gray Zone Strategy” تؤكد أن إيران تتوسع في النفوذ عبر وسائل غير تقليدية، بعيدة عن المواجهة المباشرة. ويُعد الكبتاغون أداة مركزية ضمن هذه الخطة، ليس فقط كمصدر تمويل، بل كوسيلة لتفكيك الخصوم من الداخل.
(راجع: دراسة مركز كارنيغي 2023 "المخدرات كمصدر تمويل للميليشيات"، وتقرير مركز صنعاء للدراسات، فبراير 2024)
خامسًا: تجربة كولومبيا وأفغانستان نموذجًا
ما يحدث في اليمن اليوم يُذكّر بتجربة كولومبيا خلال الثمانينيات والتسعينيات، حين تحولت إلى ساحة مفتوحة لكارتلات المخدرات، وعلى رأسها "الفارك"، التي دمجت بين العقيدة والاتجار بالمخدرات، مما أدى إلى انهيار الثقة بالمؤسسات، وسقوط النظام أمام اقتصاد العصابات.
كذلك كانت أفغانستان تحت حكم طالبان أحد أكبر منتجي الأفيون، وارتبطت تمويلات القاعدة والمليشيات المتطرفة بتجارة المخدرات العابرة للحدود.
(راجع: UNODC Global Report on Cocaine, 2023؛ ومؤشرات التمويل غير المشروع في أفغانستان، 2021)
خاتمة تحليلية
إذا لم تُوضع خطة وطنية يمنية واضحة، بدعم إقليمي ودولي حقيقي لمواجهة هذه الشبكات، فإن اليمن سيتحوّل خلال سنوات قليلة إلى دولة مخدرات مصغّرة تُدار من قبل مليشيا مسلحة مثل حزب الله أو تنظيم "الفارك".
إن بناء جهاز أمني محترف لمكافحة التهريب وتفعيل العقوبات والتتبع المالي وتعزيز التعاون مع الأجهزة الخليجية والدولية، بات ضرورة وجودية لا خيارًا سياسيًا.
وكلما نجحت الشرعية في تأسيس منظومة ردع فعالة، كلما عززت مكانتها دوليًا وقدّمت نفسها كحليف موثوق في الحرب ضد المخدرات، لا كساحة مفتوحة لشبكات إيران.
------
أ.د.عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي يمني