الهاشمية السياسية في اليمن من "حق البطنيين" إلى استعادة الإمامة عبر الحوثيين (2-2)

11:58 2025/07/29

ومع مطلع الألفية الجديدة، ظهر حسين بدر الدين الحوثي، وهو ينحدر من سلالة إمامية معروفة، كمؤسس لمشروع سلالي جديد مغلف بلغة ثورية. بدأ من خلال "منتدى الشباب المؤمن" في صعدة، ثم تحوّل إلى جماعة مسلحة رفعت شعارات مناهضة لأمريكا وإسرائيل، لكنها في الواقع كانت تسعى لاستعادة الإمامة بثوب مقاوم.
 
فمنذ كتابات واشعار محمد احمد الشامي وكتابه "رياح التغيير في اليمن" إلى ملازم الصريع حسين بدر الدين الحوثي نرى التقية ومبداء "الغاية تبرر الوسيلة".
 
وقد تمكن الحوثيون من توظيف لحظة ضعف الدولة بعد 2011، ونجحوا في اجتياح العاصمة صنعاء عام 2014، في انقلاب مكتمل الأركان على الدولة والجمهورية والعملية السياسية. (راجع: تقرير فريق الخبراء الأممي التابع لمجلس الأمن، 2020).
 
ومنذ ذلك الحين، تحولت جماعة الحوثي إلى أداة مركزية في المشروع الإيراني الإقليمي، على غرار حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وفاطميون في سوريا. وقد أمدّتها إيران بالدعم العسكري والتقني والتدريبي، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، والصواريخ المجنحة، وأنظمة الاتصالات، وخبراء من الحرس الثوري. وبهذا أصبحت الجماعة رأس حربة مشروع تفكيك الدولة اليمنية وتحويلها إلى كيان مذهبي يدين بالولاء للولي الفقيه في طهران. (انظر: تقرير الأمم المتحدة عن دعم إيران للحوثيين، يناير 2020).
 
في العقيدة الحوثية، يتجاوز الولاء لفكرة الدولة إلى الولاء لشخص "السيد القائد"، الذي لا يُنتخب ولا يُحاسب، بل يُطاع. وقد مارست الجماعة كل أدوات الإمامة في الحكم، دون أن تعلن ذلك رسميًا، ففرضت "الخُمس" كضريبة لصالح الأسر الهاشمية، وأصدرت قوائم رسمية بما يسمى "أنساب السادة"، وقامت بتعيينهم في مواقع القضاء والأمن والتعليم، وفرضت خطابًا دينيًا يرسخ التمييز بين "السيد" و"العبيد"، في تكريس طبقي لا يختلف عن أنظمة العبودية القديمة. (راجع: تقرير مؤسسة "سام للحقوق"، 2021).
 
كما قامت الجماعة بتصفية الضباط الجمهوريين داخل الجيش والأمن، وأعادت تشكيل المؤسسة العسكرية على أسس سلالية، وقامت بفصل آلاف المعلمين والموظفين من غير المنتمين إلى "البيت الهاشمي"، وغيّرت مناهج التعليم بما يتوافق مع الفكر الاثني عشري، في انزياح واضح عن الزيدية التقليدية باتجاه التشيع الخميني. وهكذا، لم تعلن الإمامة، لكنها فرضتها أمرًا واقعًا، مستفيدة من دعم خارجي، ومن تفكك الدولة، ومن صمت القوى السياسية التي انشغلت بصراعاتها الداخلية. (انظر: تقرير هيومن رايتس ووتش، 2022 – انتهاكات الحوثيين في التعليم والقضاء)
 
إن ما نشهده اليوم في اليمن ليس مجرد صراع مسلح، بل معركة وجودية بين مشروع وطني جمهوري، ومشروع سلالي ديني يطمح لاستعادة الإمامة بأدوات حديثة. ولا يمكن الانتصار في هذه المعركة إلا بتجديد المشروع الجمهوري على أساس وطني يتجاوز المناطقية والطائفية، وتجريم التمييز السلالي والديني في القانون والدستور، ومراجعة المناهج التعليمية وتطهيرها من مفاهيم الاصطفاء الطبقي، وإعادة بناء الدولة على أساس المواطنة والكفاءة، وتحرير الخطاب الديني من أسر الفقه السلالي.
 
الهاشمية السياسية ليست تيارًا فكريًا عابرًا، بل مشروع سلطوي يتخفى بثوب القداسة، ويعيد إنتاج الاستبداد باسم النسب والدين. وقد آن الأوان لفضح هذا الثوب، وكشف العظام المتعفنة للإمامة التي تحته، واستعادة اليمن من خاطفيه باسم الله.
------
 
*أكاديمي ومحلل سياسي يمني