حين تُصبح الشراكة الوطنية تهمة والنقد مؤامرة: بيان المكتب السياسي يعرّي أزمة الشرعية ويدق ناقوس التصحيح

- خاص - الساحل الغربي
- 07:11 2025/06/27
لم يكن بيان الأمانة العامة للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية مجرد اعتراض على ترتيبات بروتوكولية أو شكوى شكلية من تجاهل دعوة لاجتماع؛ ولكن كان صفعة أخلاقية في وجه منظومة باتت تتعامل مع التوافق الوطني كما لو كان ترفاً لا ضرورة، وتوزّع مشروعية الشراكة وفق درجة الولاء، لا حجم التضحيات.
لقد قال المكتب السياسي ما يجب أن يُقال.. ووضع الإصبع على الجرح الذي ظلت معظم الأطراف تتجاوزه خجلاً أو مصلحة: هناك انحراف جوهري في طريقة إدارة الشرعية، تآكلٌ في هيكل الدولة، وانتقائية فجّة تجعل من بعض المكونات شركاء "صور" ومن آخرين أوصياء على القرار.
في اجتماع 22 يونيو جلس رئيس مجلس القيادة مع قيادات من هيئة التشاور وعدد من الشخصيات الحزبية، يناقشون أوضاعاً مصيرية في بلد تتساقط أحياؤه جوعاً وانهياراً، دون حضور الحكومة ودون إشراك أطراف تتحمل عبء المعركة على الأرض منذ سنوات.. وكأن صنع القرار أصبح وليمة سياسية لا مكان فيها إلا للمدعوين وفق قواعد "النادي المغلق".
المفارقة السريالية أن يتم الحديث عن الاقتصاد في غياب الحكومة، ومناقشة ملامح المرحلة في ظل تغييب الأطراف الفاعلة على الأرض، وكأن الدولة باتت ملكاً خاصاً لمن حضر، بينما شركاء التضحية مجرد "أسماء زخرفية" تُستحضر وقت اللزوم وتُركن على الرف وقت القرار.
المكتب السياسي للمقاومة الوطنية لم يطلب المستحيل، ولم يتجاوز الدستور أو إعلان نقل السلطة بل طالب بأن تتم النقاشات الكبرى داخل الإطار المؤسسي، بحضور الحكومة المعنية وبمشاركة جميع الشركاء الفاعلين؛ هل باتت هذه المطالبة في منطق البعض خيانة أو تمرداً؟
الردود التي توالت على البيان وبعضها خرج عن طور التحليل إلى التهكم والتخوين، كانت أشبه بصراخ من فوجئ بأن هناك من تجرأ على كسر الصمت.. بلغة ساخرة ومريرة، كتب رئيس فرع المكتب السياسي في إب كامل الخوداني، أن ردود الفعل على البيان توحي وكأن المقاومة تطالب بتشريع المثلية لا بالشراكة الوطنية، وأضاف: عادها مطالبات مشاركة بالهَدرة، كيف لو حررنا صنعاء وطالبنا بالمشاركة بالحكم؟!
السؤال الحقيقي الذي لا يطرحه المنتقدون: كيف يمكن أن نناقش الضائقة الاقتصادية بلا حضور الحكومة؟ كيف نبني توافقاً سياسياً ونحن نمارس إقصاءً ناعماً لبعض المكونات؟ كيف ندّعي أننا نخوض معركة وطنية موحدة، بينما نُقصي أطرافاً محورية قاتلت وقدّمت آلاف الشهداء، وخلّفت طفرة تنموية حقيقية على طول الساحل الغربي؟
لقد دعا المكتب السياسي إلى مراجعة التصرفات التي تفتك بهيكل الشرعية من الداخل، وإعادة الاعتبار للعمل المؤسسي، وهو مطلب ينشد الإصلاح لا الانشقاق؛ وبدلاً من تلقف هذه الدعوة بشيء من التعقل، تحركت غرف التحريض لإطلاق سيل من التأويلات والتخوينات، وكأنهم يدافعون عن حصون ورقية لا تحتمل حتى نسيم النقد.
أما المفارقة المرّة فقد لخّصها المفكر السياسي د. صادق القاضي حين قال: قبل الانخراط في الشرعية، كانت هذه الجبهة الوطنية تقاتل وحدها وتنتصر.. ثم جُمعت بقية القوى في سلة واحدة، وأُدخلت جميعاً في ثلاجة مجلس القيادة؛ وكأن هذه الشراكة لم تكن إلا قيداً أُحكم على يد من يُحارب، ليُقال له في النهاية: مكانك ليس هنا.
فلتُقل الحقيقة كما هي: الشرعية تهتز من الداخل، لا بسبب بيانات التصحيح بل لأن كثيراً من مكوناتها بات يخشى التوافق الحقيقي، ويخاف من وجود شركاء لا يُشترون بالمناصب، ولا يُربَكون بالترهيب، ولا يُخدَعون بمكاسب تافهة؛ ومن لا يحتمل الشفافية اليوم لن يصمد لغد، لأن الشعوب –في النهاية– لا تحترم إلا من يتحدث باسمها ويدافع عن حقها، لا من يغلق الأبواب ويُوزّع التمثيل كالمنح.
لا أحد يطلب امتيازات فوق تضحياته، ولا أحد يلوّح بالانسحاب كابتزاز، ولكن حين يُهمش المُحارب، فإن العودة إلى الجبهة أشرف من الصمت في مجالس مغلقة لا تعترف إلا بمن يطأطئ رأسه.
السؤال: هل ما زلنا نؤمن بأن ما نخوضه معركة وطنية مشتركة؟ أم أن البعض قد وقّع اتفاقاً غير معلن لتقاسم الخيبة على حساب اليمن؟