عيد خلف القضبان.. كيف يعيش السجناء فرحة العيد في إصلاحية تعز؟

  • هاشم علي - الساحل الغربي:
  • قبل 12 ساعة و 44 دقيقة

خلال أيام العيد، يتحول محيط السجن المركزي في مدينة تعز إلى مشهد مختلف عن الأيام العادية، حيث تبدأ طوابير متراصة من المواطنين بالتجمع أمام البوابة الحديدية الضخمة للإصلاحية المركزية، يحملون بين أيديهم حقائب متواضعة، تبدو ثقيلة بأكثر مما تحويه من ملابس عيد وحلوى وهدايا بسيطة.. إنها مثقلة بآمال متكسرة وأحلام معلقة خلف الأسوار.
 
ففي هذا المكان تختلط روائح العيد بالمعاناة، تصبح الزيارة حدثاً وجودياً ينتظره السجناء وأهاليهم، في مشهد يختزل مأساة إنسانية صامتة، إذ تتحول أيام العيد داخل السجن من مناسبة فرح إلى لوحة عاطفية معقدة، بحسب توصيف السجناء الذين يقبعون خلف الجدران الإسمنتية، والقضبان الحديدية المتشابكة كأصابع القدر القاسية، فهم من ناحية يشاركون العالم فرحته، ومن ناحية أخرى يذوقون مرارة العيد بعيداً عن دفء الأسرّة العائلية وضجيج الأطفال وتجمعات الأقارب حول موائد العيد.
 
يأتي هذا التقرير، ثمرة التواجد الميداني عند أبواب السجن وداخل أروقته، في محاولة لتسليط الضوء على فرحة العيد الممزوجة بالأسى، من خلال شهادات لسجناء تحولت حياتهم إلى أرقام مسجلة في سجلات السجن، ولأهالٍ يحملون على ظهورهم أثقال الذكريات المؤلمة، ولمسؤولين يحاولون الموازنة بين تطبيق القانون ومراعاة الأبعاد الإنسانية.
 
 
زيارات عيدية
 
"الساحل الغربي" يرصد في هذا التقرير كيف تتحول دقائق الزيارة القصيرة إلى شريان حياة للسجناء، ومحاولات الأهالي لزرع البهجة في مكان لم يُخصص أساسًا للفرح، والآثار النفسية العميقة التي تتركها هذه الزيارات الموسمية على جميع الأطراف.. وسط تسهيلات كبيرة من قبل إدارة السجن وجهود القائمين لتنظيم هذه الزيارات العيدية طوال أيام العيد.
 
ضمن طابور طويل، كان يقف الشاب محمد، بانتظار دوره للعبور إلى الداخل وزيارة شقيقه المحتجز منذ عامين، مؤكدًا بقوله: "زيارة أقاربنا المحتجزين يجعل للعيد طعمًا مختلفًا هنا.. نحن نحاول أن ننقل لهم جزءًا من فرحة العيد، لكن الحقيقة أن الفرح هنا ناقص، وممزوج بالكثير من الألم، خاصة أن الزيارة محدودة لساعات معينة".
 
داخل قاعة الزيارة، تمتزج المشاعر، عناق سريع، دموع فرح وألم، وأحاديث قصيرة يحاول فيها السجناء الاطمئنان على أحوال أسرهم.. صالح أحمد، أحد نزلاء السجن، يصف لحظة لقاء أسرته قائلًا: "كل شيء يتوقف خلال تلك الدقائق، أنسى أنني هنا، وأشعر وكأنني عدت للحياة خارج هذه الجدران.. لكن بمجرد انتهاء وقت الزيارة، يعود الواقع ليصفعني من جديد".
 
أما فاطمة، والدة أحد السجناء، فتتحدث بصوت متهدج بعد لقائها بابنها: "أحضرت له ملابس العيد وبعض الحلوى.. لكنه لم يكن سعيدًا، كان يحاول أن يرسم الابتسامة من أجلنا، لكنه لم يستطع إخفاء حزنه، ناهيك أن الوداع كان مؤلمًا".
 
 
رسم البهجة
تحاول إدارة مركزي تعز، التخفيف من وطأة الغربة التي يعيشها النزلاء خلال هذه الأيام الاستثنائية.. يؤكد المقدم عصام الكامل، مدير الإصلاحية المركزية بتعز لـ "الساحل الغربي"، حرص القائمين على تسهيل دخول أهالي وأقارب السجناء، مؤكدًا تذليل كافة الصعوبات أمام سعادة هؤلاء النزلاء.
 
ويضيف بقوله: "ندرك أن العيد في السجن ليس كالعيد خارجه، لذلك نسعى لتنظيم هذه الزيارات، إلى جانب بعض الفعاليات الترفيهية، كالمسابقات والأنشطة الجماعية التي تهدف إلى إدخال السرور على قلوب النزلاء، كما نسمح بزيارات خاصة تتيح للسجناء قضاء وقت أطول مع أسرهم".
 
ويوضح الكامل: "عدد الأفراد كثير الذين يأتون لزيارة أقاربهم خلال موسم العيد.. لأن الأسرة عندما تأتي بكامل أفرادها لزيارة السجين، وهذا ما يجعلنا نستقبل نحو أكثر من 600 شخص يوميًا".
 
ويؤكد: "هذا العدد الضخم يتطلب إجراءات وتنظيم وترتيب وتهيئة الإصلاحية لاستقبال الأهالي والسماح لهم بقضاء ساعات مع السجناء، يتشاركون لحظات، يأكلون الطعام مع أقاربهم، ويستمتعون بطقوء العيد".
 
وفي إحدى زوايا السجن، يتجمع مجموعة من النزلاء حول مائدة صغيرة وضعوا عليها ما استطاعوا توفيره من أطعمة العيد.. يضحكون ويتبادلون مشاعر الفرح في محاولة لتخفيف قسوة المكان.. خالد، أحد السجناء، يعلق قائلاً: "نحاول أن نصنع أجواء العيد هنا.. لكن مهما حاولنا، يبقى العيد خلف القضبان ناقصًا".
 
لحظات خاطفة
 
رغم محاولات التخفيف من معاناة السجناء، إلا أن الشعور بالفقد يظل حاضرًا، كما يقول هؤلاء، إذ يرى الكثير من النزلاء أن العيد يُعيد إليهم ذكريات منازلهم وأسرهم، ويعمق إحساسهم بالعزلة.
 
يتحدث سامي، وهو سجين لـ "الساحل الغربي": "العيد يذكرنا بما فقدناه.. في الأيام العادية، نحاول التأقلم مع الوضع، لكن خلال العيد يصبح الأمر أكثر صعوبة". في إشارة إلى أن اللحظات المؤلمة تتجسد عندما تغادر العائلات بوابة السجن بعد انتهاء وقت الزيارة، بينما يظل السجناء في أماكنهم، ينظرون من خلف القضبان إلى عالم قد يعودون إليه يومًا ما، أو قد يبقى بالنسبة لهم مجرد حلم مؤجل.
 
قليل من الفرح وكثير من الألم.. هكذا يمر العيد على هؤلاء السجناء، بين لحظات لقاء خاطفة وأخرى مليئة بالشوق والحنين؛ وعلى الرغم من محاولات إدارة السجن لتخفيف وطأة العزلة، إلا أن العيد داخل الأسوار يظل ناقصًا، ينتظر اكتماله يوم استعادة الحرية، ومع ذلك، لا يزال الأمل حاضرًا لدى البعض، بأن يأتي العيد القادم وهم خارج القضبان، يحتفلون وسط أسرهم دون قيود.

ذات صلة