‏مواطنون يُنقلون على النعوش أحياءً بعد خمس سنوات من حصار الحوثيين لطريق "قعطبة-دمت"

  • علي عميران - الساحل الغربي
  • 12:48 2025/05/26

تجسدت إحدى أبشع المآسي الإنسانية التي تعصف باليمن منذ مطلع 2019 حين أقدمت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران على إغلاق طريق "دمت-قعطبة" الحيوي في منطقة الزيلة التابعة لمريس، فارضةً عزلة خانقة على مديرية قعطبة وقراها، شلّت حياة المدنيين وحوّلت تنقلاتهم إلى مغامرات دامية في جغرافيا الموت.
 
وفي أحدث فصول هذه الكارثة تداول نشطاء صوراً مروّعة تُظهر رجلاً يحمل مريضاً أصيب بذبحة صدرية على ظهره، سيراً على الأقدام في منحدرات جبلية وعرة تُعرف بـ"جبل الجبهة" شمالي الضالع، وهو الطريق البديل الوحيد الذي يربط بين قعطبة ودمت.. المريض يدعى "جميل الصباري" سائق بوكلين من مديرية النادرة، وقد أصيب بجلطة قلبية مساء الخميس الماضي، ما اضطر أسرته إلى نقله إلى أحد المستشفيات الخاصة في صنعاء.
 
استغرقت الرحلة الجبلية أكثر من 11 ساعة من الشقاء والخطر وسط تدهور صحة المريض ومشقة الطريق.. المهندس الحقوقي ظافر الصباري الذي وثّق الواقعة، أكد أن أحد الحمّالين تقاضى ستين ألف ريال مقابل حمل المريض – مبلغ زهيد أمام مشهد بطولي يختصر دولة بأكملها غائبة – فيما عاد هو نفسه محمولاً على الأكتاف بعد أن أنهكه التعب.
 
المأساة لم تكن فردية؛ مقاطع الفيديو والصور التي التُقطت بهواتف محمولة وعدسات صحفيين أظهرت طوابير من النساء الطاعنات في السن يحملن أطفالهن الرضع تحت شمس ملتهبة، وشباناً يحملون مرضى ومسنين على الأكتاف، وآخرين يتهاوون عطشاً وإنهاكاً، فيما نُقلت حالات صحية على نعوش وهم أحياء، وأُجهضت نساء في الطريق، وكلهم يرددون نفس النداء الذي يرتد صداه في الجبال: "يا الله، يا الله".
 
وفي استجابة إنسانية بارقة عقدت السلطة المحلية بمحافظة الضالع اجتماعاً برئاسة المحافظ اللواء علي مقبل صالح، وأعلنت قراراً بفتح الطريق الرابط بين الضالع وصنعاء لدواعٍ إنسانية رغم تعنت الحوثيين الذين لم يصدر عنهم أي تعليق حتى الآن؛ وأكدت قيادة المحافظة أنها تمارس ضغوطاً لإجبار المليشيا على الموافقة، في محاولة لتخفيف الوضع الإنساني الكارثي الذي يرزح تحته الأهالي.
 
الناشط الحقوقي ظافر الصباري اختصر المشهد بقوله: "لعنة الله على كل من تسبب أو أيد قطع طرق الناس وتأخير مصالحهم، وكل الغضب على من يتلاعبون بقوت المواطنين وكرامتهم"؛ وقد وجّه حقوقيون وناشطون مناشدات إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للضغط على الحوثيين لفتح الطريق، وإنهاء جريمة الحصار المستمر.
 
ومع ذلك لا يزال ملايين اليمنيين المحاصرين من الداخل ينتظرون لحظة صحوة ضمير، علّ الجماعة الإرهابية تطلق سراح الشعب من منفى الطرقات المغلقة وسجون الحصار، وتكفّ عن تحويل اليمن إلى معتقل كبير لأبنائه، تُخنقه القيود الحديدية، وتعلو فيه صرخة واحدة لا تهدأ: "يا الله... يا الله".

ذات صلة