ثنائية النبذ والسلالة: عندما توحّدت بقايا الإمامة وتكلسات القبلية

  • خاص - الساحل الغربي
  • 11:26 2025/05/10

لا يختلف تبرؤ قبيلة "آل السباعي" من أحد أبنائها لأنه اختار قلبه على عرفها، عن جرائم الحوثي باسم "الاصطفاء الإلهي"؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة تسمى "العنصرية المتوارثة" والمسكوك عليها بختم التخلف الرجعي.. في اليمن لا تزال بعض القبائل تضع "الحلاق" في قاع السلم الاجتماعي، بينما ترفع الهاشمي على العرش لأنه – بزعمهم – ينتمي لسلالة الرسول، وكأن العدالة السماوية تُقاس بمهنة الأب أو سلالة الجد.
 
إن ما حدث في حجة ليس استثناءً بل هو عرضٌ مَرَضيٌّ لعلّةٍ متجذرة، تكشف كيف تحالفت بقايا الإمامة مع تكلسات القبلية، لتفرز مشهداً اجتماعياً مريضاً تُقاس فيه قيمة الإنسان بمقص الحلاق لا بنبله أو أخلاقه؛ والأنكى من ذلك أن قرار النبذ جاء في مجلس شيوخ يُفترض أنه رمز "الكرم والنجدة" فإذا به منصة لحكمٍ ظالمٍ على شابٍ اختار أن يهدم أسوار الجاهلية بقصة حب؛ لقد قرروا إخراجه من "الإخاء القبلي" وكأن القبيلة صك ملكية روحية يُسحب متى شاؤوا، وليس انتماء بشريّاً لا يُقاس إلا بالضمير.
 
ولأن المصيبة لا تأتي فرادى فقد تقاطعت هذه الجريمة القبلية مع مشروع الحوثي العنصري، الذي كرّس التمييز الطبقي وفق هرم النسب ومنح "السيد" تفويضاً إلهياً بحق الزواج والتفوّق وحرمان سواه حتى من الحب؛ بل إنه وزع المنح والمناصب على أساس الدم وليس الكفاءة، حتى صار الحلاق والمزارع والمُدرّس مشاريع إقصاء اجتماعي في عهد الحوثي، تماماً كما تفعل بعض القبائل تحت عباءة الجهل.
 
لقد قالها الإعلامي كامل الخوداني بمرارة: "يستند البعض إلى الأعراف والتقاليد لتبرير تعاليهم الطبقي بينما يستند الهاشمي إلى النسب والرسول.. لا الأعراف تبرر ولا الدين يشرّع هذا التمييز" إنها مفارقة دامغة تكشف أن من يثور على التمييز الحوثي يجب أن يثور على تمييز القبيلة أيضاً، وإلا فهو مجرد منافق مبادئ.
 
إن هذا الحدث – بكل بشاعته – يعيد إلى الواجهة سؤالاً وجودياً على اليمنيين أن يجيبوا عليه بصراحة: هل نريد دولة مدنية تُحترم فيها الكرامة الإنسانية، أم دويلة سلالات وقبائل تتناحر على فتات الدم والنسب؟ لا معنى لرفض الإمامة ونحن نمارسها بزي قبلي، ولا جدوى من مقاومة الكهنوت إذا كان كل فرد فينا يحمل كاهناً صغيراً بداخله، يحدد للناس من يحق له أن يحب ومن يُجَرَّم إذا أحب.
 
التحرر من الحوثي يبدأ بتحطيم سلاسله الطبقية أولاً، من أعلى السلم حتى كرسي الحلاق.

ذات صلة