‏ما أشبه بندر عباس برأس عيسى.. وما أشبه الحرس الثوري بالحوثيين

  • خاص - الساحل الغربي
  • 01:29 2025/04/30

في صباح السادس والعشرين من أبريل 2025، دوّى انفجار هائل في ميناء الشهيد رجائي بمدينة بندر عباس جنوب إيران، خلّف وراءه دماراً واسعاً وخسائر بشرية جسيمة، وسط تعتيم رسمي خانق وتضارب في الروايات حول السبب الحقيقي للحادث.. وبينما أعلنت السلطات عن سقوط 46 قتيلاً وأكثر من 1200 مصاب، رجّحت مصادر مستقلة أرقاماً أعلى بكثير، في ظل استمرار البحث عن مفقودين وتزايد التقارير حول تداعيات صحية وبيئية خطيرة.
 
الانفجار الذي امتد تأثيره إلى عدة كيلومترات وحطم نوافذ المباني السكنية المجاورة، تبيّن لاحقاً أنه ناتج عن احتراق شحنة من وقود الصواريخ "بيركلورات الصوديوم" المخزّنة بطريقة غير آمنة في مستودعات شركة "بناگستر" التابعة لمجموعة "سبهرانرجي" الخاضعة لوزارة الدفاع الإيرانية والمصنفة على قوائم العقوبات الأمريكية؛ وتحدثت تقارير أمنية عن وصول هذه المواد من الصين في مارس الماضي، لاستخدامها في دعم الترسانة الصاروخية للنظام، في انتهاك صريح للمعايير المدنية وأمن السكان.
 
ورغم حجم الكارثة لجأ النظام الإيراني إلى التملص من المسؤولية، متهماً أطرافاً مجهولة بالتخريب تارة ومحمّلاً الإهمال الداخلي جزءاً من المسؤولية تارة أخرى، كما أعلن وزير الداخلية توقيف عدد من "المقصرين"؛ لكن اللافت هو منع الإعلاميين والمحققين المستقلين من دخول موقع الانفجار، وتهديد من ينشر معلومات عبر وسائل التواصل بالعقوبات، في خطوة فُسّرت بأنها محاولة لطمس الحقائق ومنع تسرب أي معلومات عن الطابع العسكري للمستودعات المتفجرة.
 
في المقابل نفت منظمة "مجاهدي خلق" أي علاقة لها بالانفجار، معتبرة أن الزج باسمها يخدم النظام وأجهزته الأمنية في صرف الأنظار عن تورط الحرس الثوري ووزارة الدفاع؛ وأكدت أن المواد المتفجرة المخزّنة في الميناء مشابهة لتلك التي تسببت بكارثة بيروت عام 2020 وأن ممارسات النظام الإيراني في استخدام الموانئ المدنية لتخزين الأسلحة تشكل تهديداً دائماً لحياة الإيرانيين.
 
الصدمة التي خلفها انفجار بندر عباس لم تقف عند حدود المدينة بل امتدت إلى مختلف أرجاء إيران، حيث خرج الآلاف من متقاعدي قطاع الاتصالات في احتجاجات حاشدة يوم 28 أبريل، شملت طهران وتبريز وأصفهان والأهواز وسنندج ومدن أخرى؛ رفع المحتجون شعارات تندد بنهب حقوقهم وتضامنوا مع عائلات الضحايا، معتبرين الانفجار نتيجة طبيعية لفساد النظام وسوء الإدارة وتغليب المصالح العسكرية على سلامة المدنيين؛ ورددت الحشود شعارات مثل: "هيئة تنفيذ أمر خميني أكلت حقوقنا" و"الموت للناهبين" و"لم يشهد أي شعب هذا الكم من الظلم".
 
واتهم المحتجون مؤسسات كبرى مثل هيئة تنفيذ أمر الخميني ومؤسسة تعاون الحرس الثوري بالاستيلاء على عوائد شركات الاتصالات وترك المتقاعدين يواجهون الجوع، فيما يُستخدم المال العام لتكديس المواد المتفجرة في مرافق مدنية؛ هذه الاحتجاجات التي وصفت بأنها الأكثر اتساعاً منذ أشهر، كشفت تلاقي الغضب الشعبي مع فداحة الكارثة ورسّخت القناعة العامة بأن الانفجار لم يكن حادثاً عرضياً بل نتيجة مباشرة لسياسات التسلح العبثية والإدارة الفاسدة.
 
كارثة بندر عباس ليست مجرد مأساة محلية بل عنوان فجّ لفشل نظام يراكم المتفجرات في الأحياء السكنية ويكمم الأفواه ويصادر أرزاق المتقاعدين ويزج بالشعب في أتون أزمات لا تنتهي.. وهي في الوقت نفسه ناقوس خطر لحتمية المساءلة ودعوة صريحة لتحقيق دولي مستقل يُعرّي الحقيقة ويضع حداً لاستخدام المدنيين كدروع لمشاريع الحرس الثوري.
 
فما أشبه الحرس الثوري بالحوثيين، فالأسلوب واحد والنهج ذاته والجرائم متطابقة كأنها نسخ مكررة من كابوس واحد.. فكلاهما يجيدان تحويل الموانئ إلى مخازن موت والمدن إلى أفخاخ بارود والمدنيين إلى دروع بشرية في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. أدواتهم ليست سوى شحنات ناسفة ومخازن محروقات قاتلة وصواريخ مخبّأة بين أضلع المجتمعات يصنعون من البنية التحتية مقابر صامتة ومن المصانع بوابات إلى الجحيم ومن الإعلام كاتماً للأنين؛ إنهم كتائب خراب متنكرة بثياب الدولة لا يجيدون سوى التدمير والتفجير والترويع، في طهران كما في صنعاء، من بندر عباس إلى الحديدة.. عبيدُ المشروع نفسه وأدواتُ الجريمة ذاتها وإن اختلفت الأسماء.

ذات صلة