في شمال اليمن.. حين يتحول المشايخ إلى رهائن ويُحكم المجتمع بالخوف

قبل 2 ساعة و 37 دقيقة

في شمال اليمن، لم يعد الخوف إحساسًا عابرًا يراود الناس في لحظات القلق، بل أصبح قاعدة حكم، ونظامًا تُدار به المدن والقرى، وتُفرض به الطاعة عبر الاختطاف والإخفاء القسري. في صنعاء، العاصمة الواقعة تحت القهر، لم تعد السلطة تستند إلى القانون، بل إلى الرعب، ولم يعد النظام العام يُصان بالمؤسسات، بل بالأجهزة القمعية والسجون السرية.
 
قبل أيام، اقتيد الشيخ أمين علي مهدي جمعان، أحد أبرز وجهاء قبيلة بني مطر، من منزله وسط العاصمة، في مشهد يلخّص مأساة أمة تُحكم بالبطش لا بالقانون، وبالقوة لا بالأعراف. لم تكن الحادثة استثناءً، بل امتدادًا لنهج متواصل يستهدف الشخصيات الاجتماعية والمشائخ والناشطين والأكاديميين والإعلاميين، في محاولة واضحة لإفراغ المجتمع من أي صوت مستقل أو وزن اجتماعي خارج دائرة الولاء المطلق.
 
إن ما تمارسه مليشيا الحوثي لا يقتصر على اختطاف الأفراد، بل يتعداه إلى اختطاف الكرامة العامة، وتفريغ المجتمع من رموزه، وتحويل الصمت إلى شرط للبقاء. فعندما يُستهدف شيخ قبيلة فإن الرسالة لا تُوجَّه إليه وحده، بل إلى مجتمع بأكمله، لإرغامه على الخضوع، وكسر أي إرادة للاعتراض أو الرفض.
 
وفي ظل هذا القمع الممنهج، تحولت الحياة اليومية في مناطق سيطرة الحوثيين إلى صراع صامت من أجل البقاء. اقتصاد منهار، خدمات شبه معدومة، غلاء خانق، ورواتب منقطعة دفعت الملايين إلى حافة الفقر. يعيش المواطن هناك محاصرًا بالخوف، مجردًا من حقوقه الأساسية، بينما تُسخّر الموارد العامة لدعم آلة الحرب وتعزيز القبضة الأمنية، لا لتأمين حياة كريمة أو مستقبل آمن.
 
إن اختطاف المشائخ والوجاهات القبلية ليس اعتداءً على أفراد أو قبائل بعينها، بل طعنة عميقة في جسد المجتمع اليمني، وإهانة صارخة لأعرافه وتقاليده، ورسالة فجّة بأن هذه العصابة الحوثية المتسلطة لا ترى في رؤوس القوم سوى رهائن، ولا في عامة الشعب إلا أدوات خضوع. وهو سلوك يعيد إلى الأذهان ممارسات سلالة آل حميد الدين التي ثار عليها اليمنيون في ثورة سبتمبر طلبًا للجمهورية، والحرية، والمواطنة المتساوية.
 
ورغم امتداد ليل الخوف، ستظل ذاكرة اليمنيين حيّة، شاهدة على هذه الانتهاكات، ولن تسقط الكرامة بالتقادم. فالأوطان لا تُبنى بالقهر، ولا تُصان بالإرهاب، بل تُستعاد حين يقوم الأحرار بدحر مشروع الاستبداد هذا، ويعود اليمن لأهله حرًا كريمًا، كما أراده أبناؤه، وضحّى من أجله شهداؤه.
 
إن مليشيات الحوثي، التي ترفع شعارات محاربة الفساد ونصرة المظلومين، أثبتت عبر ممارساتها أنها ليست سوى جماعة عنف منظم، لا تتقن إلا القتل والترهيب. فمنذ انقلابها، لم يعرف اليمنيون أمنًا ولا استقرارًا، بل وجدوا أنفسهم أسرى في وطنٍ مُصادر، تُنهب ثرواته، وتُدمّر مؤسساته، وتُسحق فيه أبسط حقوق الإنسان.
 
لقد حُوّل الحوثيون اليمن إلى ساحة مفتوحة للخراب؛ زُرعت الألغام في القرى والطرقات، وحُوّلت المدارس إلى ثكنات عسكرية، وجُنّد الأطفال قسرًا، في انتهاك فاضح لكل القوانين والأعراف الدولية. وبدلًا من توفير لقمة العيش للمواطنين، فُرضت الجبايات والإتاوات لتمويل الحروب، وترك الناس يواجهون الجوع والمرض وحدهم.
 
ولم يتوقف هذا النهج عند الداخل، بل امتد ليطال العاملين في المجال الإنساني، حيث اختُطف العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، في محاولات مكشوفة لابتزاز المجتمع الدولي وعرقلة وصول المساعدات إلى مستحقيها، ما يكشف بوضوح الوجه الحقيقي لهذه الجماعة التي لا تؤمن إلا بمنطق القوة، ولا تعترف بأي قيمة للإنسان أو لحقوقه.