"مسند": طهران تدير حملة تضليل رقمي ضد مطار عدن عبر أكثر من 1400 حساب وهمي
- عدن، الساحل الغربي:
- 09:18 2025/11/07
تحول وسم #مطار_عدن_غير_آمن خلال الأيام الماضية إلى واحدة من أكثر الحملات انتشاراً في اليمن.. حملة نشأت من ماكينة تضليل رقمية محكمة الصنع، أدارتها –وفق تحليل منصة "مُسند" للتحليل الرقمي– غرف رقمية في طهران وحسابات تابعة لجماعة الحوثي، بهدف تقويض الثقة بمطار عدن الدولي، المنفذ الجوي الرئيسي التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
تزامنت بداية الحملة مع حوادث احتجاز محدودة في مطار عدن خلال الأشهر الماضية، كان أبرزها توقيف وزير خارجية حكومة الحوثيين غير المعترف بها هشام شرف، في يوليو 2025.. ورغم أن هذه الوقائع جرت في إطار إجراءات أمنية تخص أفراداً بعينهم، فقد عمدت جماعة الحوثي إلى تعميمها بوصفها "استهدافاً جماعياً لليمنيين القادمين من صنعاء"، لتشكل المادة الأولية لبناء سردية التضليل القادمة.
تشير بيانات "مُسند" إلى أن التعبئة الرقمية بدأت في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2025 عبر حسابات مرتبطة بخطاب الحوثيين، ثم تصاعدت تدريجياً حتى بلغت ذروتها عند الساعة السادسة مساءً من الأول من نوفمبر.. خلال تلك الساعات، انفجرت موجة النشر المنسقة فيما وصفه التحليل بـ "الانفجار المبرمج"، إذ تم ضخ أكثر من 28.4 ألف منشور و54 ألف إعادة نشر، مسجلة وصولاً تقديرياً تجاوز 28.7 مليون مشاهدة.
هندسة التضخيم والتأثير
أظهرت الدراسة أن الحملة لم تنمُ عضوياً من تفاعل جماهيري حقيقي، بل بُنيت وفق ما يُعرف بـ "هندسة المدى التأثيري" (Reach Engineering)، أي تضخيم مصطنع لمدى الانتشار عبر طبقات رقمية منظمة.. فقد استخدمت الحسابات المشغلة قوالب موحدة وصوراً متكررة وروابط مكررة، مع تحريك موجات متزامنة من النشر والتفاعل تُدار مركزياً.
ولإضفاء طابع إقليمي واسع، لجأت بعض الحسابات إلى إخفاء مواقعها الحقيقية في صنعاء وإظهار مواقع خليجية، في محاولة لإيهام المتابعين بوجود "غضب خليجي" ضد مطار عدن، بينما أظهرت خرائط الانتشار أن مركز النشاط كان داخل إيران ومناطق سيطرة الحوثيين.
بصمات طهران وعمليات الـ PsyOps
تؤكد "مُسند" أن الحملة عكست نمطاً واضحاً من العمليات النفسية السيبرانية (PsyOps)، حيث ظهرت إشارات تشغيل مبكر تدل على إدارة مباشرة من طهران.. فالتوحيد في الرسائل، وتكرار النشر المتزامن، وتوزيع الأدوار بين الحسابات تشير جميعها إلى إدارة عملياتية مركزية تهدف إلى التشويش على المجال الإعلامي وإرباك الرأي العام المحلي والدولي.
تحليل محتوى الوسم كشف أن 54.9% من الخطاب كان ذا طابع سلبي، استخدم لغة تحذيرية مشبعة بدلالات أمنية مثل "اختطاف"، و"مليشيات"، و"تهديد للمسافرين"، في محاولة لصناعة انطباع أمني قاتم حول المطار.
ولم ترتكز المنشورات على أي مصادر رسمية أو وقائع ميدانية، بل على "تصنيع هالة رقمية موجهة" – نموذج معروف في حملات الحرب النفسية الرقمية التي تُبنى على إثارة الذعر لا نقل الحقيقة.
من خلال تحليل البصمة الجغرافية للحملة، يتضح أن مركز الثقل كان في مناطق سيطرة الحوثيين شمال البلاد، بينما تولّت طبقة واجهات خليجية مزيفة مهمة التمويه.. هذه الطبقات الثلاث —انطلاق محلي، وتضخيم إقليمي، وتغليف خليجي— شكلت هندسة تأثير متعددة الدوائر صُممت لتبدو كغضب عربي واسع ضد مطار عدن، بينما هي في الحقيقة حملة منظمة.
لم تقتصر أدوات الحملة على المنصات الاجتماعية. فقد وثقت "مُسند" إرسال رسائل نصية جماعية من شبكات "يمن موبايل" في صنعاء تدعو المواطنين للمشاركة في الحملة، متضمنة روابط لبنوك تغريدات حوثية.. وهو ما يكشف استخدام الجماعة لسيطرتها على الاتصالات لتوجيه الرأي العام وإسناد نشاطها الرقمي بخط مباشر إلى الجمهور.
في المقابل، ظهرت وسوم مضادة مثل #مطار_عدن_ممر_آمن و#مطار_عدن_خط_أحمر مساء الأول من نوفمبر، في محاولةٍ لكسر السردية السلبية المتضاربة.. ورغم أن حجم انتشارها كان أقل (نحو 3.9 آلاف و4.5 آلاف منشور على التوالي)، إلا أنها حققت وصولاً تراوح بين 8.9 و10.5 ملايين مشاهدة، ما يعكس تحركاً دفاعياً رقمياً ساهم في موازنة الخطاب.
ورداً على الحملة، صرح معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة، أن مطار عدن الدولي يعمل بشكل طبيعي ويستقبل المسافرين من مختلف المحافظات، بما فيها القادمة من مناطق سيطرة الحوثيين.. مؤكداً أن الإجراءات الأمنية في المطار تهدف لحماية المسافرين، وليست موجهة ضد أي فئة، وأن الحملة تستهدف تشويه سمعة المطار والتأثير على حركة السفر.
تشير كافة المعطيات إلى أن حملة #مطار_عدن_غير_آمن كانت عملية هندسة تأثير رقمية ممنهجة استغلت حادثة محدودة لتصنيع رواية شاملة عن "تدهور أمني" في عدن.
بدأت التعبئة في 27 أكتوبر وبلغت ذروتها في 1 نوفمبر، عبر أكثر من 1,400 حساب مرتبطة بخطاب الحوثيين، وبصمات تشغيل واضحة من طهران.. استخدمت أدوات تضخيم رقمية، وحسابات واجهة خليجية، ولغة تحريضية موحدة لتشكيل انطباع جماعي مضلل.
تكشف حملة #مطار_عدن_غير_آمن أن الحرب في اليمن لم تعد فقط على الأرض، بل أيضاً في فضاء الوعي.. ويبقى الدرس الأبرز: أن "هندسة التأثير" قادرة على تغيير المزاج العام وتحقيق ارتباك خلال ساعات، إن لم يكن هناك وعي رقمي ومؤسسات قادرة على كشف التضليل قبل أن يصبح حقيقة في أذهان الناس.
