مصدر أممي لـ"الساحل الغربي": الاختطافات المعلنة لا تشكل سوى 40% مما يحدث في مناطق سيطرة الحوثي
الساحل الغربي - تقرير/ هاشم علي:
04:50 2025/10/31
في تصعيد حوثي جديد، يُعد الأخطر منذ سنوات، تواصل مليشيا الحوثي حملات الاختطاف ضد العاملين في المنظمات الأممية في العاصمة المختطفة صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها "إعلان حرب" على العمل الإنساني في البلاد؛ وبينما تؤكد الأرقام والاحصائيات أن عدد الموظفين الأمميين المحتجزين لدى الجماعة يصل إلى 60 شخصًا، تكشف مصادر خاصة أن الرقم الحقيقي أكبر بكثير، الأمر الذي يوضح مدى الاستهداف الممنهج للمنظمات في مناطق سيطرة الحوثيين.
وتجاوزت الحملات الأخيرة ما كانت تُمارسه المليشيا سابقًا من مضايقات وقيود، لتشمل مداهمات واسعة للمقار والمساكن، واختطافات، ورصدًا لكافة تحركات الموظفين المحليين والأجانب على حد سواء، ففي الخامس والعشرين من أكتوبر، اقتحمت الجماعة مكتب المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، بالإضافة إلى مكتب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" في صنعاء.
وبحسب المعلومات فإن المليشيا عبثت بمحتويات المكتبين وصادرت بعض المعدات والوثائق، كما قامت باختطاف عدد من الموظفين، إضافة إلى مداهمة منزل الموظفة "حنان الشيباني"، العاملة في قسم الخدمات والبروتوكول ببرنامج الأغذية العالمي (WFP)، واختطافها واقتيادها إلى مكان مجهول، في خطوة وصفها كثيرون بأنها تهدف إلى ترهيب العاملين الأمميين وفرض السيطرة على المؤسسات الإنسانية في صنعاء.
تصاعد الرعب
في تصريح خاص لـ"الساحل الغربي"، يقول مصدر في إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، إن مليشيا الحوثي "لا تتوقف عن اختطاف واحتجاز موظفي المنظمات الأممية، في انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية والاتفاقيات التي تضمن حرية وحياد العمل الإنساني".
وأكد المصدر في مكالمة هاتفية أن "الاختطافات والانتهاكات المتكررة تسببت في تعطيل مشاريع إنسانية حيوية تمس حياة ملايين اليمنيين، كما أدت إلى حالة من الشلل في بعض قطاعات الإغاثة التي تشرف عليها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة، خصوصًا في مجالات الأمن الغذائي والصحة والتعليم".
ويضيف أن "الأثر لم يقتصر على مناطق سيطرة الحوثيين، بل امتد إلى مناطق الحكومة الشرعية، حيث اضطرت بعض الوكالات إلى تقليص ميزانياتها ومشاريعها الإغاثية، وتقليص عدد المستفيدين بسبب تراجع التمويل الدولي، بعد فقدان الثقة في إمكانية تنفيذ البرامج بأمان داخل اليمن".
ويوضح المصدر أن "بيئة العمل الإنساني أصبحت محفوفة بالمخاطر إلى درجة غير مسبوقة"، مشيرًا إلى أن مليشيا الحوثي تفرض قيودًا مشددة على تحركات العاملين في المجال الإغاثي، بل وتتدخل في عملية اختيار المستفيدين، ما يقوّض مبدأ الحياد الإنساني ويحوّل المساعدات إلى أداة ابتزاز سياسي واقتصادي.
ويكشف المصدر أن "الحملات الحوثية الأخيرة كانت مرعبة، لا سيما خلال النصف الثاني من شهر أكتوبر2025، حيث شملت مداهمات وعمليات تفتيش مفاجئة لمقار منظمات دولية وسكن موظفيها، إضافة إلى مراقبة صارمة لتحركات العاملين المحليين والأجانب عبر شبكات أمنية تابعة للجماعة، بما في ذلك وحدات نسائية تُعرف بالزينبيات".
ويشير في حديثه إلى أن "ما يتم تداوله في وسائل الإعلام لا يشكل سوى 40% مما يحدث فعليًا في مناطق سيطرة الحوثيين، فالكثير من الانتهاكات تُمارس في الخفاء ولا يمكن توثيقها أو الإعلان عنها، تجنبًا من الانتقام أو لحماية حياة الموظفين المحليين وعائلاتهم".
وبحسب المصدر، فإن بعض العاملين في المنظمات الأممية يعيشون في "حالة من الرعب الدائم"، ويتخذون إجراءات احترازية مشددة أثناء تنقلهم داخل العاصمة صنعاء أو المحافظات الواقعة تحت سيطرة الجماعة، حيث باتت أي وشاية كفيلة باختطافهم وإخفائهم قسرًا في سجون سرية.
ويؤكد أن "ما يجري حالياً لا يمثل مجرد انتهاك حقوقي عابر، بل تهديد مباشر لبنية العمل الإنساني في اليمن، فكل عملية اختطاف أو مصادرة أو تهديد، تضع المانحين الدوليين أمام خيار الانسحاب أو تجميد التمويل، وهو ما بدأت تظهر آثاره في تراجع حجم المساعدات خلال الأشهر الأخيرة".
ويحذر من أن "استمرار هذه الانتهاكات دون ردع واضح من المجتمع الدولي، قد يؤدي إلى انهيار المنظومة الإنسانية بأكملها، وبالتالي سيدفع الثمن ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات الإغاثية من أجل البقاء على قيد الحياة".
تمسّك بالاتهامات.. تفاصيل الجولة التفاوضية
في 30 أكتوبر، أنهت الأمم المتحدة جولة من المفاوضات مع مليشيا الحوثيين في العاصمة العُمانية مسقط، دون تحقيق أي اختراق يُذكر بشأن الإفراج عن موظفيها المختطفين في سجون الجماعة، التي صعّدت خلال الأسابيع الأخيرة من حملات القمع ضد المدنيين والأكاديميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية.
يأتي هذا التصعيد في وقت حرج، إذ يحذّر مراقبون من أن استمرار الاختطافات يهدد بانهيار ما تبقى من الجهود الإنسانية في اليمن، ويقوّض فرص استئناف عملية السلام المتعثّرة منذ العام الماضي.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن المفاوضات التي قادها المبعوث الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، لم تُسفر عن أي نتائج معلنة بشأن مطالب المنظمة الأممية بالإفراج الفوري عن موظفيها المحتجزين، حيث تمسكت المليشيا بمزاعمها السابقة التي تتهم فيها العاملين الأمميين بـ"التجسس والتخابر"، وهي الاتهامات التي رفضتها الأمم المتحدة بشكل قاطع، ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة وتتناقض مع مبادئ العمل الإنساني".
وفي هذا السياق، يوضح بيان مكتب المبعوث، أن غروندبرغ زار مسقط في 27 أكتوبر، برفقة المسؤول الأممي المكلّف بملف المحتجزين، معين شريم، حيث عقدا سلسلة لقاءات مع مسؤولين عمانيين وممثلين عن جماعة الحوثيين، في إطار الجهود الرامية إلى ضمان الإفراج عن موظفي الأمم المتحدة المحتجزين بشكل تعسفي.
ويشير إلى أن المبعوث ناقش مع كبار المسؤولين العمانيين وفريق التفاوض الحوثي "سبل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تنهي النزاع في اليمن"، إلى جانب "ضرورة حماية العاملين الإنسانيين وضمان حرية عمل المنظمات الأممية في جميع مناطق البلاد".
وفي المقابل، أقر المتحدث باسم جماعة الحوثي، محمد عبد السلام، بوجود الموظفين الأمميين في الاحتجاز، لكنه كرّر المزاعم ذاتها التي تتحدث عن "أنشطة تجسسية تحت غطاء العمل الإنساني"، متهماً بعض المنظمات الدولية بـ "أنشطة تخريبية تمس أمن الجماعة".
ويضيف عبدالسلام في تغريدة على "إكس"، أن أجهزة الأمن الحوثية في صنعاء مستعدة لعرض أدلة ووثائق تثبت هذه المزاعم، مشيرًا إلى أن جماعته "تحرص على إيجاد حلول عادلة، واستمرار التنسيق مع الأمم المتحدة بما يسمح بمواصلة العمل الإنساني"، وهو ما يؤكد أن المليشيا تتخذ موظفي المنظمات الأممية ورقة ضغط لابتزاز المجتمع الدولي.
تحدٍ سياسي
يرى مراقبون أن الأزمة تجاوزت بعدها الإنساني لتتحول إلى تحدٍ سياسي واختبارٍ حقيقي لقدرة الأمم المتحدة على التعامل مع جماعة تتعامل بازدواجية مع العمل الإنساني؛ فهي من جهة تطالب باستمرار تدفق الدعم والمساعدات، ومن جهة أخرى تحتجز موظفي المنظمات المنفذة وتتهمهم بالتجسس.
ويحذر محللون من أن استمرار هذه الاختطافات والانتهاكات، دون رد حازم من المجتمع الدولي، قد يؤدي إلى انهيار ثقة المانحين ووكالات الأمم المتحدة في بيئة العمل داخل اليمن، الأمر الذي قد يُفضي إلى انسحاب تدريجي للمنظمات الدولية من مناطق سيطرة الحوثيين، ما سيفاقم الأزمة الإنسانية ويترك ملايين المدنيين دون أي شكل من أشكال المساعدة.
وتحذر تقارير أممية سابقة من أن هذه الممارسات تُعرقل بشكل مباشر تنفيذ البرامج الإغاثية في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وأكدت أن استمرار التضييق والاختطافات يهددان بإغلاق قنوات التواصل الميداني مع ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، لا سيما أن بعض المنظمات الدولية بدأت في تقليص عملياتها وإعادة تموضع موظفيها خارج مناطق سيطرة الحوثيين.
وفي ظل مشهد معقّد، تبدو الأمم المتحدة أمام مفترق طرقٍ حرج، فإما أن تنجح في فرض احترام القوانين الدولية وضمان الإفراج عن موظفيها، أو تجد نفسها مضطرة لمراجعة وجودها الميداني في بلدٍ باتت فيه الإنسانية نفسها رهينة بيد جماعة لا تعترف إلا بمنطق القوة والسيطرة.