اتهامات عبثية ومحاكمات صورية.. الحوثيون وتحويل مصرع حكومتهم إلى ورقة ابتزاز دولي
صنعاء، الساحل الغربي:
04:39 2025/10/31
تشهد مناطق سيطرة مليشيا الحوثي تصعيداً غير مسبوق ضد موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ بدء عمل البعثات الأممية في البلاد، بعد إعلان الجماعة نيتها محاكمة 43 موظفاً أممياً بتهمة "الارتباط بغارة إسرائيلية" استهدفت حكومتها في أغسطس الماضي.
وقال عبدالواحد أبو راس القائم بأعمال وزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها –في تصريحات لوكالة رويترز– إن الإجراءات الأمنية ضد المحتجزين تمت "تحت إشراف قضائي كامل"، مدعياً أن "خلية داخل برنامج الأغذية العالمي" شاركت في استهداف الحكومة الحوثية.
وجاءت هذه المزاعم عقب الغارة الإسرائيلية على صنعاء في 28 أغسطس 2025، التي أودت بحياة رئيس ما يسمى بـ"حكومة الحوثيين" أحمد غالب الرهوي وعدد من وزرائه، في أول هجوم من نوعه يستهدف كبار مسؤولي الجماعة المدعومة من إيران.
منذ ذلك الحين، صعّدت الجماعة اتهاماتها للمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، بزعم "التورط أو التواطؤ" في الغارة، بينما رفضت المنظمة تلك المزاعم، مؤكدة أن 59 من موظفيها ما زالوا محتجزين تعسفياً لدى الحوثيين، بعضهم منذ سنوات، مطالبة بالإفراج الفوري عنهم.
المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أوضح أن المحتجزين أمضوا سنوات دون توجيه تهم واضحة، فيما أشار نائبه فرحان حق إلى أن مئات الموظفين ما زالوا يعملون في مناطق سيطرة الحوثيين في ظروف أمنية مقلقة.
وفي الوقت ذاته، أخفقت جولة المفاوضات الأخيرة في مسقط بين مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبرغ وقيادات حوثية في تحقيق أي تقدم بملف المحتجزين، ما زاد من تعقيد الأزمة الإنسانية شمال اليمن.
التصعيد الحوثي أدى إلى توقف عمليات برنامج الأغذية العالمي في مناطق سيطرتها للشهر الثالث على التوالي، عقب اقتحام مكاتبه واحتجاز موظفيه، فيما تشير تقارير أممية إلى أن عدد المستفيدين من المساعدات في مناطق الحكومة اليمنية بلغ نحو 3 ملايين شخص، مقابل صفر عمليات إغاثية في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويؤكد البرنامج أن 62% من سكان اليمن يعانون من نقص حاد في الغذاء، مع ارتفاع معدلات سوء التغذية جراء تعليق المساعدات شمالاً.
الحكومة اليمنية وصفت الحملة الحوثية ضد العاملين الإنسانيين بأنها "سياسة ممنهجة لبث الخوف وإسكات الأصوات المعارضة"، مؤكدة أن الجماعة اختطفت أكثر من 80 مدنياً وأكاديمياً وطبيباً في ذمار خلال الأيام الأخيرة.
وقال وزير الإعلام معمر الإرياني إن استمرار احتجاز موظفي الأمم المتحدة يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، محملاً الحوثيين المسؤولية الكاملة عن سلامتهم.
من جانبه، أعاد السفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاجن التذكير بملف موظفي السفارة الأميركية المختطفين منذ أربع سنوات، مؤكداً أن الحوثيين ما زالوا يحتجزون عدداً منهم بشكل غير قانوني.
يرى محللون أن الربط الحوثي بين موظفي الأمم المتحدة والغارة الإسرائيلية على صنعاء ليس سوى محاولة للهروب من الضغوط الداخلية والدولية، واستخدام الملف الإنساني كورقة تفاوضية للحصول على تنازلات سياسية أو مالية.. كما أن إعلان محاكمات ضد موظفين يتمتعون بحصانة دبلوماسية يُعد سابقة خطيرة قد تجر الجماعة إلى عزلة دولية أعمق وتزيد من تعقيد جهود السلام المتعثرة.
ويؤكد متابعون أن القضية ليست ملف إنساني واحتجاز موظفين أمميين، بقدر ما هي انعكاس لأزمة داخلية حوثية تسعى من خلالها إلى إعادة ضبط توازنها عبر خلق عدو خارجي لتبرير القمع والانهيار الداخلي وصرف الأنظار عن المطالب الشعبية بتوفير الخدمات والرواتب.
وفي ظل استمرار شلل الجهود الإنسانية شمال اليمن، يبقى ملايين المدنيين على حافة الجوع، بينما تغرق البلاد أكثر في الجمود السياسي والانقسام الدولي.