ما خلفية دعوات الرئيس العليمي لتكثيف الضغوط الدولية على الحوثيين؟
- الساحل الغربي، أ.د. عبدالوهاب العوج
- 07:34 2025/08/27

يواصل الرئيس اليمني الدكتور رشاد العليمي توجيه دعوات متكررة للمجتمع الدولي من أجل تكثيف الضغوط على جماعة الحوثيين، مؤكدًا في أكثر من مناسبة أن الجماعة لا يمكن أن تكون جزءًا من أي عملية سلام حقيقية في اليمن. ففي كلمته الأخيرة، شدد العليمي على أن الحوثيين استغلوا الهدنات السابقة لإعادة ترتيب صفوفهم وتعزيز قدراتهم العسكرية، محذرًا من أن أي تسوية سياسية معهم ستتحول إلى غطاء لإضفاء الشرعية على مشروع إيراني توسعي يهدد الأمن الإقليمي والدولي (العربية، 2025). هذا الموقف لا ينفصل عن التطورات الأخيرة في المنطقة، لا سيما هجمات الحوثيين المتصاعدة في البحر الأحمر واستهدافهم المباشر للعمق الإسرائيلي.
الحوثيون من الداخل اليمني إلى استهداف إسرائيل
في 24 أغسطس 2025 أطلق الحوثيون صاروخًا يحمل قنابل انشطارية عنقودية باتجاه مطار بن غوريون، ما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين، وأثار ردًا عسكريًا إسرائيليًا غير مسبوق. فقد شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية الدقيقة على مواقع استراتيجية في صنعاء والحديدة، مستهدفة مخازن سلاح ومطارات عسكرية ومنشآت للطاقة (AP News, 2025). هذا التطور وضع الحوثيين في خانة جديدة: ليس فقط جماعة محلية متمردة، بل فاعل عسكري إقليمي منخرط في صراع إسرائيلي–إيراني. من هنا تبرز وجاهة تصريحات العليمي بأن إشراك الحوثيين في أي عملية سياسية، دون نزع سلاحهم الصاروخي والبحري، سيعني عمليًا إدخال إسرائيل في معادلة الصراع اليمني.
شحنات الأسلحة الإيرانية وتوازن القوى الجديد
المعطيات الأخيرة تعزز موقف الحكومة اليمنية. ففي يوليو 2025 تمكنت المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، من اعتراض شحنة أسلحة إيرانية ضخمة بلغ وزنها أكثر من 750 طنًا، كانت في طريقها إلى الحوثيين. وقد تضمنت الشحنة صواريخ كروز مضادة للسفن والجوية، ورؤوسًا حربية، ومحركات لطائرات مسيّرة، وأنظمة دفاع جوي ورادارات متطورة (CENTCOM, 2025؛ Reuters, 2025؛ Gulf International Forum, 2025). هذه الكمية غير المسبوقة تشير إلى أن طهران لم تعد تتعامل مع الحوثيين كذراع استنزاف فحسب، بل كقوة صاروخية وبحرية ناشئة على غرار حزب الله في لبنان.
إن إدخال صواريخ كروز وأنظمة الدفاع الجوي إلى المعركة اليمنية يحمل دلالات استراتيجية خطيرة، فهو يتيح للحوثيين تهديد الممرات البحرية الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، كما يمنحهم قدرة على خلق توازن ردع غير متكافئ مع إسرائيل أو القوى الإقليمية الأخرى. ولهذا فإن العليمي يرى أن أي تجاهل لهذه الحقائق سيجعل اليمن ساحة حرب إقليمية مفتوحة لسنوات طويلة.
تصريحات وزير الدفاع الإيراني وإعادة توطين الصناعات العسكرية
في هذا السياق، جاءت تصريحات وزير الدفاع الإيراني مؤخرًا لتضيف بُعدًا جديدًا وخطيرًا. فقد أعلن أن بلاده بدأت في "إعادة توطين الصناعات العسكرية الإيرانية خارج الحدود" من أجل مواجهة الضغوط والعقوبات الغربية. وعلى الرغم من أنه لم يحدد الدول المستهدفة، إلا أن المؤشرات تشير بوضوح إلى اليمن وروسيا كأبرز ساحات هذا التوجه الاستراتيجي (Tasnim, 2025؛ Reuters, 2025). فاليمن، عبر الحوثيين، يمثل أرضًا خصبة لتجربة وتطوير منظومات صاروخية وبحرية متقدمة، فيما توفر روسيا، عبر تحالفها مع إيران في مواجهة الغرب، بيئة مناسبة لنقل التكنولوجيا العسكرية. هذا الإعلان يبرر القلق الدولي ويعزز صدقية دعوات الرئيس العليمي، حيث إن تحويل اليمن إلى قاعدة لصناعات عسكرية إيرانية سيغير معادلات الأمن في البحر الأحمر والخليج والشرق الأوسط برمته.
البعد الاقتصادي كسلاح بيد الحوثيين
لا يقتصر خطر الحوثيين على الجانب العسكري والأمني، بل يمتد إلى الاقتصاد اليمني الذي يعاني أصلًا من انهيار مزمن. فقد اتخذت الميليشيات الاقتصاد سلاحًا للضغط على الحكومة الشرعية وعلى المجتمع الدولي، عبر منع تصدير النفط والغاز واستهداف الموانئ الحيوية مثل ميناء الضبة في حضرموت وميناء النشيمة في شبوة. هذه الهجمات تسببت في وقف الصادرات النفطية بشكل شبه كامل منذ أواخر 2022، وهو ما حرم الحكومة اليمنية من أهم مورد مالي لتغطية الرواتب والخدمات الأساسية (المصدر: وزارة النفط اليمنية، 2023؛ Reuters، 2024).
إن تعطيل تصدير النفط والغاز لم يضرب فقط موارد الدولة، بل انعكس مباشرة على حياة ملايين اليمنيين عبر تدهور سعر العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية، في وقت يعيش فيه أكثر من 70% من السكان تحت خط الفقر (World Bank، 2024). بهذا المعنى، يوظف الحوثيون الاقتصاد كسلاح مزدوج: إفقار الشعب لإبقائه رهينة، ومنع الحكومة الشرعية من تعزيز موقعها السياسي والعسكري.
كما أن استهداف الموانئ النفطية لا ينفصل عن البعد الدولي، إذ يهدد إمدادات الطاقة العالمية ويزيد من تقلبات الأسواق في ظل الحرب الأوكرانية–الروسية وأزمات سلاسل التوريد. وهو ما يجعل دعوات الرئيس العليمي لتكثيف الضغوط على الحوثيين ليست مطلبًا داخليًا فقط، بل ضرورة مرتبطة بالاستقرار الاقتصادي الإقليمي والعالمي.
البعد الإقليمي: من حزب الله إلى الحوثيين
في لبنان، تتصاعد الضغوط السياسية والدبلوماسية لنزع سلاح حزب الله، وسط حديث عن خطة تضع سقفًا زمنيًا حتى 31 أغسطس 2025 للتوصل إلى تفاهمات جديدة (Financial Times, 2025؛ Reuters, 2025). هذا السياق يعزز مقاربة إقليمية ترى في الحوثيين نموذجًا آخر لحزب الله، مع اختلاف الجغرافيا وأهداف التموضع الإيراني. فكما أن سلاح حزب الله حوّل الدولة اللبنانية إلى رهينة، فإن استمرار الحوثيين كقوة مسلحة مستقلة سيجعل الدولة اليمنية مجرد واجهة لمشروع خارجي.
المجتمع الدولي والحوثيون: تحوّل في النظرة
حتى وقت قريب، كان المجتمع الدولي ينظر إلى الحوثيين كجماعة مسلحة متمردة في نزاع محلي. غير أن استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وإطلاق صواريخ على إسرائيل، وضبط شحنات أسلحة إيرانية ضخمة، والتصريحات الإيرانية عن إعادة توطين الصناعات العسكرية خارج حدودها "والمقصود هنا هي اليمن"، كلها عوامل غيّرت هذه الرؤية جذريًا. فقد بات يُنظر إليهم كجزء من شبكة عسكرية عابرة للحدود تقودها إيران لزعزعة استقرار المنطقة (Gulf International Forum, 2025). من هنا تأتي دعوات العليمي كترجمة لواقع جديد: لن يكون هناك استقرار في اليمن ولا في البحر الأحمر ما لم تُكثف الضغوط الدولية على الحوثيين وتُجرد من سلاحهم الاستراتيجي.
السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأول: تصعيد إقليمي واسع
في حال استمر تدفق شحنات الأسلحة الإيرانية النوعية إلى الحوثيين، واستمرت الجماعة في استهداف الملاحة الدولية وإسرائيل، فإن المنطقة قد تنزلق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة تشمل البحر الأحمر والخليج ولبنان في آن واحد. مثل هذا التصعيد قد يدفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى تبني استراتيجية أكثر هجومية، بما في ذلك ضربات استباقية لمخازن السلاح ومنشآت البنية التحتية العسكرية التابعة للحوثيين، على غرار الضربات التي تنفذها إسرائيل ضد حزب الله في لبنان. هذا السيناريو يعني عمليًا تدويل الحرب اليمنية وتحويلها إلى جزء من صراع شامل بين إيران والغرب.
السيناريو الثاني: تسوية مشروطة بنزع السلاح
قد يقود الضغط الدولي المتصاعد، مقرونًا بالعقوبات الاقتصادية والحرمان من مصادر التمويل، إلى فرض تسوية سياسية جديدة في اليمن تقوم على مبدأ نزع السلاح الاستراتيجي للحوثيين مقابل إدماجهم في العملية السياسية كحزب مدني. نجاح هذا السيناريو يتوقف على تماسك الموقف الدولي، واستعداد القوى الإقليمية الكبرى مثل السعودية والإمارات لدعم الحكومة الشرعية اقتصاديًا وعسكريًا، لكنه في الوقت نفسه يواجه تحديات كبيرة بسبب رفض الحوثيين التقليدي لأي صيغة تتضمن التخلي عن سلاحهم الثقيل والصاروخي والالتزام بالقرارات الدولية و اهمها القرار 2216.
خاتمة تحليلية
تُظهر هذه التطورات أن تصريحات الرئيس العليمي ليست مجرد خطاب سياسي، بل انعكاس لمعادلة إقليمية آخذة في التشكل، فالحوثيون اليوم ليسوا جماعة محلية بل جزء من منظومة إيرانية إقليمية تمتد من لبنان إلى غزة واليمن. ان اعتراض شحنة 750 طن من الأسلحة، واستهداف إسرائيل بالصواريخ العنقودية، و تصريحات وزير الدفاع الإيراني عن إعادة توطين الصناعات العسكرية، والضغوط على حزب الله، وتعطيل صادرات النفط اليمني كلها حلقات في سلسلة واحدة: معركة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، و في ضوء ذلك، تبدو دعوات العليمي للمجتمع الدولي أقرب إلى صياغة مشروع سياسي–أمني شامل: الضغط، العزلة، وربما التدخل، من أجل استعادة التوازن ومنع انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية مفتوحة.
ختامًا، لا بد من التأكيد على أن تكرار أخطاء الماضي، وعلى رأسها اتفاق ستوكهولم الذي منح الحوثيين فرصة لإعادة بناء ترسانتهم العسكرية تحت غطاء دولي، سيعني إطالة أمد الحرب ومعاناة اليمنيين، و إن الدرس الأهم اليوم يتمثل في أن أي تسوية سياسية لا ترتكز على القضاء العسكري على مليشيات الحوثي وتجريدها الكامل من السلاح، ستظل مجرد هدنة مؤقتة تسبق جولة جديدة من الحرب. ومن هنا، فإن الخيار العسكري الحاسم، مقرونًا بغطاء سياسي ودولي، هو السبيل الوحيد لاستعادة الدولة اليمنية وإنهاء مشروع المليشيات المدعوم من إيران.
أ.د. عبدالوهاب العوج – أكاديمي ومحلل سياسي