لماذا لا تستهدف قيادات الحوثي؟

  • الساحل الغربي، أ.د. عبدالوهاب العوج
  • 11:55 2025/08/24

يثير غياب عمليات نوعية ضد قيادات الصف الأول في جماعة الحوثي تساؤلات متكررة حول القدرات الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية، وحول ما إذا كان هذا الغياب يعكس عجزًا في المعلومات أم حسابات استراتيجية معقدة فالضربات الإسرائيلية الاخيرة تستهدف منشآت مدنية يتضرر منها المواطن اليمني و لا تهتم المليشيات الحوثية و قياداتها لمثل هذه الضربات طالما انها لا تستهدف قيادات الحوثي العسكرية او السياسية الهامة لها.
فمنذ صعود الحوثيين عام 2014 لم تُسجل أي عملية ناجحة ضد شخصيات محورية مثل عبدالملك الحوثي أو محمد عبدالكريم الغماري أو يوسف المداني، على الرغم من أن التجارب السابقة أظهرت قدرة الولايات المتحدة على استهداف قادة نوعيين في بيئات أشد تعقيدًا مثل قاسم سليماني في بغداد (2020) أو أسامة بن لادن في أبوت آباد (2011).

أولًا: فجوة استخباراتية مركّبة

يرتبط أحد أبرز الأسباب بغياب الاختراق البشري داخل بنية الجماعة. إذ تعتمد واشنطن وتل أبيب على الاستخبارات التقنية مثل الأقمار الصناعية والتنصت الإلكتروني، غير أن الحوثيين تعلموا من تجربة حزب الله في لبنان والحرس الثوري الإيراني أساليب التمويه الأمني، من بينها:

تجنب استخدام الهواتف الذكية.

الاعتماد على الوسطاء في التواصل وغيرها من الوسائل من خلال التحرك الدائم وتغيير المرافقين و الحراسات..الخ.

التحرك وفق شبكة اجتماعية مغلقة الهاشمية السياسية و خولان بني عامر.

هذا الوضع يجعل عملية زرع مصادر داخل الدائرة الضيقة شبه مستحيلة، كما أن البيئة القبلية في صعدة وصنعاء توفر حماية اجتماعية طبيعية لهذه القيادات ضمن الهاشمية السياسية.

ثانيًا: حسابات استراتيجية أوسع:
لم تضع واشنطن وتل أبيب الحوثيين في مرتبة التهديد المركزي، فالأولوية تظل لإيران وبرنامجها النووي وقدرات حزب الله الصاروخية، ولذلك فإن قتل عبدالملك الحوثي لا يُنظر إليه بنفس الأهمية التي أُعطيت لقتل سليماني أو عماد مغنية او حسن نصر الله؛ و يُضاف إلى ذلك خشية الولايات المتحدة من أن يؤدي اغتيال رأس القيادة الحوثية إلى تفجير غير محسوب في البحر الأحمر والخليج العربي واستهداف منابع النفط في السعودية و الإمارات، في وقت تسعى فيه واشنطن إلى الاحتواء أكثر من المواجهة المباشرة.

ثالثًا: أهمية قيادات الصف الأول

رغم ذلك، فإن استهداف قيادات الصف الأول سيكون له أثر بالغ:

عبدالملك الحوثي: المرجعية العقائدية والرمزية، الرابط بين الفكر الجارودي الاثني عشري الإيراني والصياغة اليمنية.

محمد عبدالكريم الغماري: رئيس الأركان الحوثية والعقل العسكري لتطوير القدرات الصاروخية والطائرات المسيّرة.

أبو علي الحاكم: قائد الجهاز الاستخباري الموازي "الأمن الوقائي"، الأداة الأخطر في تثبيت القبضة الأمنية بالإضافة الى جهاز الاستخبارات الخارجية الذي يرأسه الرزامي الابن.

يوسف المداني: أبرز القادة الميدانيين في جبهة الساحل الغربي ووسط اليمن.

عبدالخالق الحوثي: شقيق عبدالملك، يقود وحدات النخبة العسكرية ويسيطر  على قوات الاحتياط "الحرس الجمهوري سابقا".

عبدالكريم الحوثي: وزير الداخلية و"اليد الباطشة" في ضبط الأمن الداخلي والذي استحدث جهازا جديد"جهاز استخبارت الشرطة والأمن" تحت قيادة علي حسين بدرالدين الحوثي ابن مؤسس الجماعة الحوثية ويعد حلقة الوصل الميدانية بين اقسام وادارات الامن في المحافظات و وزير الداخلية.

أحمد حامد (أبو محفوظ): مدير مكتب الرئاسة، يمسك بمفاصل القرار المالي والإعلامي والاداري للدولة.

محمد علي الحوثي: صاحب نفوذ سياسي وجماهيري واسع من خلال "اللجان الثورية" واحد الاعمدة الاجتماعية الهامة للحوثيين.

مهدي المشاط: رئيس المجلس السياسي الأعلى، واجهة سياسية أكثر منها قيادية فعلية.

رابعًا: المؤسسات الموازية

لا تقتصر منظومة القوة الحوثية على الأفراد فقط، بل تمتد إلى مؤسسات هيكلية أهمها:

المجلس الجهادي الأعلى: هيئة تنسيقية عليا تشرف على القرارات العسكرية والعقائدية، شبيهة بمجلس شورى حزب الله.

الهيئة القضائية للجماعة برئاسة محسن الحمزي: ركيزة أساسية لتثبيت الشرعية الداخلية، حيث تضفي غطاءً قضائيًا ودينيًا على قرارات القيادة، وتستخدم كسلاح لإخضاع الخصوم وإسكات المعارضين.

خامسًا: البنية الهرمية للحوثيين

يمكن توصيف هيكل القوة الحوثية كما يلي:

القيادة العقائدية – العائلية: عبدالملك الحوثي، محمد علي الحوثي، عبدالكريم الحوثي، عبدالخالق الحوثي، محمد بدر الدين الحوثي وغيرهم.

القيادة العسكرية – الميدانية: محمد عبدالكريم الغماري، أبو علي الحاكم، يوسف المداني، عبدالخالق الحوثي، عبدالكريم الحوثي وغيرهم.

القيادة المالية – الإدارية: أحمد حامد، مهدي المشاط، و التي تعد من
المؤسسات الموازية والهامة للمجلس الجهادي الأعلى الذي يرأسه عبدالملك بدر الدينالحوثي، و الهيئة القضائية التي يرأسها محسن الحمزي.

سادسًا: الدرس من التجارب التاريخية:
التجارب أثبتت أن اغتيال قادة بارزين لا يؤدي بالضرورة إلى انهيار الجماعات العقائدية المسلحة، فقد صمد حزب الله بعد اغتيال عماد مغنية (2008) واغتيال حسن نصر الله وخليفته في المواجهة الاخيرة مع اسرائيل 2025م، وكذلك استمر تنظيم القاعدة بعد مقتل بن لادن (2011)، كما أعادت إيران بناء نفوذها بعد مقتل قاسم سليماني و المهندس في العراق (2020). وعليه، فإن الحوثيين حتى لو فقدوا قياداتهم الكبرى سيظلون يحتفظون بالقدرة على إعادة إنتاج القيادة مستندين إلى المرجعية العقائدية والدعم الإيراني و الهاشمية السياسية في اليمن التي دائما تعيد بناء نفسها من جديد.
---
المراجع:

1. معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (2021)، إيران والحوثيون: دروس من حزب الله.

 

2. مجموعة الأزمات الدولية (2022)، اليمن: الحوثيون بين السلطة والانقسام.

 

3. Foreign Policy (2024)، Why the Houthis Matter to Iran but Not to Washington.

 

4. تقرير خبراء الأمم المتحدة حول اليمن (2023).

 

5. Carnegie Middle East Center (2019)، Hezbollah After Mughniyeh.

 

أ.د.عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي

ذات صلة