هل اقتربت المعركة مع مليشيات الحوثي؟

09:33 2025/08/14

 
الزيارات الميدانية المتكرّرة لقيادات عسكرية على مستوى رئيس هيئة الأركان د. صغير بن عزيز ووزير الدفاع د. محسن الداعري إلى جبهات القتال في المنطقة العسكرية الخامسة وغيرها ليست مصادفة عابرة، بل هي جزء من لوحة عملياتية وسياسية مترابطة، ويمكن قراءتها كمؤشر جدي على تحرّكات ميدانية قد تتصاعد إلى حملة أكبر، مع ملاحظة أن تحويل هذا المؤشر إلى معركة تحرير ناجحة يتطلب توفر مجموعة شروط إضافية ولا يحدث تلقائياً.
 
أولًا – البعد الرمزي والمعنوي: الظهور الميداني لرئيس الأركان ووزير الدفاع أمام المقاتلين في خطوط التماس يرفع الروح القتالية، ويشعر القوات بأن القيادة العليا تشاركهم بيئة الميدان، وهو أمر يتكرر في المراحل التحضيرية للهجمات المنظمة. وفق تقرير يمن تي في، 25 مايو 2025، فإن هذه الزيارات ليست بروتوكولية بل تتزامن مع نشاط لوجستي ملحوظ.
 
ثانيًا – البعد التنظيمي واللوجستي: الزيارات شملت تفقد تشكيلات قتالية برية وبحرية، واجتماعات مع قادة الألوية، وتفقد ميناء ميدي والجزر المجاورة. هذا يعكس أن التخطيط لا يقتصر على محور بري واحد، بل يتجه لعمليات متعددة المحاور. المحور البري يتركز في مديريات ميدي وحيران وحرض، وعزلة بني حسن في عبس. المحور البحري يتمثل في تشكيل بحري لحماية الساحل ومنع تهريب السلاح. المحور اللوجستي يهدف لدعم الجبهة بخطوط إمداد من حجة إلى ميدي. وفق تغطية يمن تي في و وكالة سبأ للإنباء و
وكالات محلية، 14 أغسطس 2025، فإن التحركات تضمنت أيضًا تعزيزات نحو الموانئ والجزر الاستراتيجية.
 
الوصف الميداني للمحاور يوضح أن ميدي و حيس هي مفاتيح الساحل الغربي لليمن، والسيطرة عليها تعني قطع أحد أهم ممرات تهريب السلاح للحوثيين. حيران تربط بين الساحل والطريق البري المؤدي إلى صعدة عبر حجة، وحرض تمثل بوابة حدودية مهمة مع السعودية، وأي تقدم فيها يضغط على الحوثيين في العمق الحدودي. أما عبس – بني حسن فتشكّل حاجزًا جغرافيًا 
 لحماية الجناح الجنوبي للمنطقة الخامسة.
 
ثالثًا – السياق الإقليمي والدولي: الضربات الجوية الأمريكية والغربية مؤخرًا ضد قدرات الحوثيين، خاصة على البنية التحتية العسكرية والبحرية، قلصت من جاهزيتهم العملياتية كما أوضحت تقارير رويترز وACLED. هذا يخلق نافذة زمنية يمكن للشرعية استغلالها، بشرط وجود قرار سياسي ودعم التحالف العربي، فبدون غطاء جوي واستخبارات دقيقة، سيبقى أي هجوم عرضة للفشل.
 
رابعًا – عناصر القوة والضعف: من عناصر القوة انضباط وجاهزية قوات المنطقة الخامسة حسب تقارير ميدانية، ووجود دعم بحري وساحلي، واستمرار دعم التحالف. ومن عناصر الضعف إمكانية استهداف خطوط الإمداد، وحاجة القوات لزيادة الغطاء الناري والمدفعي، وضرورة وجود خطة سياسية لما بعد التحرير.
 
خامسًا – السيناريوهات المحتملة:
 السيناريو الأول:
و يتمثل في عملية تحرير نقاط مفصلية مثل ميدي وحيران وحرض، مع دعم بحري وجوي، والاستفادة من جهود المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في ضبط شحنات السلاح و المعدات العسكرية المتطورة بشكل مستمر وناحج.
 
 السيناريو الثاني هو هجمات محدودة تحقق مكاسب تكتيكية مؤقتة تتآكل أمام هجمات الحوثيين المضادة. السيناريو الثالث يتضمن انهيار داخلي للحوثيين نتيجة ضغوط إقليمية أو انشقاقات، ونجاح الشرعية في استغلال اللحظة.
 
سادسًا – مؤشرات يجب مراقبتها: تحركات دبابات ومدفعية ثقيلة نحو حجة، تصريحات تحالفية تؤكد الدعم البري، إعادة نشر ألوية من محافظات أخرى، وحملة إعلامية موازية لرفع الغطاء الشرعي للهجوم.
 
الخط الزمني للأحداث: 25 مايو 2025 شهد زيارة رئيس هيئة الأركان د.صغير بن عزيز للمنطقة العسكرية الخامسة وتفقد الجبهات. خلال يونيو ويوليو 2025 لوحظ نشاط لوجستي وزيادة الشحنات العسكرية باتجاه الساحل. وفي 14 أغسطس 2025 زار وزير الدفاع د.محسن الداعري ميدي وحيران وحرض، وتفقد التشكيل البحري والجزر (وكالة سبأ اليمنية للانباء).
 
سابعًا – توصيات استراتيجية: تأمين خطوط الإمداد قبل الهجوم، وضرورة توفير غطاء جوي وبحري مستمر، دمج القوات المحلية في العمليات و غيرها من القوات وبخاصة القوات المشتركة والعمالقة وقوات المقاومةالوطنية، و إدارة سياسية متوازنة للمناطق المحررة فور السيطرة عليها، و عمل حملة إعلامية سابقة ومواكبة لعمليات التحرير وما بعدها وحملة دبلوماسية مكثفة لإضعاف الحوثيين واظهار خطرهم المحلي و الاقليمي وعلى امن البحرالأحمر و خليج عدن و الممرات البحرية الدولية.
 
عند مقارنة هذه المعطيات مع الحالة السورية، نجد أن سقوط مناطق واسعة بيد فصائل المعارضة بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) تم عبر دمج تكتيكات متعددة، بينها حرب المدن والسيطرة على طرق الإمداد الحيوية، مع تنسيق إقليمي في فترات معينة، غير أن افتقار المعارضة السورية لإستراتيجية سياسية موحدة لما بعد السيطرة ساهم في فقدان مكتسباتها لاحقًا، وهو درس مهم لليمنيين؛ إذ يجب أن تكون العمليات العسكرية جزءًا من منظومة أوسع تدمج البعد السياسي والاقتصادي والأمني في مرحلة ما بعد التحرير، وإلا فإن المكاسب الميدانية قد تتآكل تحت ضغط الواقع الميداني والتدخلات الخارجية.
 
أ.د. عبدالوهاب العوج – أكاديمي ومحلل سياسي يمني