قرار حظر التعامل بالعملات الأجنبية يفتح باب الإصلاحات الاقتصادية في اليمن

  • عدن، الساحل الغربي:
  • 12:48 2025/08/13

في ظل تداعيات الحرب المستمرة التي أثقلت كاهل الاقتصاد اليمني، شرعت الحكومة خلال الفترة الماضية في تنفيذ حزمة من القرارات والإجراءات الاقتصادية الحاسمة، التي تهدف إلى استعادة ثقة المواطن بالعملة الوطنية، وضبط الأسواق، ومكافحة المضاربة بالعملات الأجنبية، في مسعى واضح لتحقيق استقرار نقدي نسبي وسط بيئة مالية معقدة.
 
جاء القرار الأبرز، وهو قرار مجلس الوزراء رقم (13) لسنة 2025، الذي فرض حظراً على التعامل بالعملات الأجنبية، كبديل للريال اليمني في المعاملات التجارية والمالية، خصوصاً في العمليات التي لا تتطلب ذلك، مثل الرسوم الدراسية، والإيجارات، وتذاكر السفر.. القرار ألزَم جميع المناطق والمحافظات المحررة بالتعامل بالريال اليمني فقط، مع تشديد الإجراءات الرقابية تجاه المخالفين وإحالتهم للجهات القضائية المختصة.
 
وفي اجتماعها السادس بالعاصمة المؤقتة عدن، ناقشت اللجنة العليا للإيرادات السيادية، تقارير تنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك تكرير النفط محلياً، وإغلاق الحسابات الحكومية لدى البنوك التجارية.. وبدورها، أصدرت وزارة المالية توجيهات بإغلاق جميع حسابات الوحدات الحكومية في البنوك التجارية والإسلامية وشركات الصرافة، وتحويل الأرصدة إلى البنك المركزي، ضمن خطة إصلاحية تهدف إلى تعزيز الرقابة على السيولة المالية، ومنع التلاعب أو المضاربة غير المشروعة.
 
وزير الصناعة والتجارة محمد الأشول قام بجولات ميدانية في عدن ومدن أخرى، مؤكداً على عدم التساهل مع المخالفين، واتخاذ إجراءات صارمة بحق المحتكرين لضمان حماية المستهلك.
 
وعلى أرض الواقع شهدت المحافظات المحررة، حملات رقابية وميدانية مكثفة لمتابعة تنفيذ هذه القرارات؛ إذ قامت وزارة الصناعة والتجارة بالتنسيق مع وزارتي الصحة والهيئة العليا للأدوية، بتفعيل حملات لضبط أسعار السلع الغذائية والأدوية، وإلزام التجار والصيدليات والمستوردين بإشهار الأسعار وفرض تخفيضات تزامناً مع تحسن سعر صرف الريال اليمني.
 
وشهدت الأسواق تفعيل لجان رقابية وزيارات تفتيشية، مع إغلاق المحلات المخالفة ومحاسبة المتلاعبين.
 
وعقد البنك المركزي اجتماعاً مع ممثلي القطاع الخاص والغرفة التجارية في عدن لمناقشة الإجراءات التنفيذية لتغطية الواردات بالريال اليمني، تأكيداً على أهمية تحقيق استقرار الأسعار وحماية الأمن الغذائي، خاصة في ظل التصنيف الدولي لمليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية وتأثير ذلك على القطاع التجاري.
 
تأتي هذه الإجراءات الحكومية وسط صعوبات ضخمة فرضتها الحرب المستمرة، حيث تكبد الاقتصاد اليمني خسائر فادحة بلغت نحو 70% من موارد الدولة، بعد توقف صادرات النفط جراء الهجمات الحوثية على الموانئ، وتدهور العملة الوطنية بسبب عمليات تزوير عملات مزيفة من قبل المليشيا الحوثية.
 
ورغم ذلك، فإن التحسن النسبي في قيمة الريال اليمني في الفترات الأخيرة يشكل فرصة حقيقية لإعادة بناء الاقتصاد تدريجياً، شريطة تضافر جهود الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتنفيذ الإصلاحات بشكل صارم ومستدام.
 
ورحبت القمة النسوية بانخفاض أسعار العملات الأجنبية، معربةً عن أملها في أن تكون هذه الخطوة بداية إصلاحات اقتصادية أعمق تشمل مكافحة الفساد، وتوحيد الرواتب بالعملة المحلية، وتعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية، خصوصاً تمكين النساء في عمليات اتخاذ القرار الاقتصادي.
 
ويرى خبراء الاقتصاد أن حظر التعامل بالعملات الأجنبية خطوة ضرورية، لكنها لن تحقق أهدافها إلا إذا تم تطبيقها بحزم على كافة المؤسسات الحكومية والقطاعات الحيوية، بما فيها النقل الجوي والاتصالات، التي لا تزال تعتمد على العملات الأجنبية، مما يعرقل استقرار السوق ويعزز المضاربة.
 
ويؤكد المحللون أن النجاح في هذه المساعي يتطلب رقابة يومية، وحملات ميدانية مستمرة، وإجراءات قضائية سريعة ضد المخالفين، إلى جانب بناء ثقة المواطنين في جدية الحكومة في حماية مصالحهم المعيشية.
 
الحملات الميدانية المكثفة لضبط الأسعار في الأسواق والمحافظات، خصوصاً على المواد الغذائية والأدوية، تظهر جدية الحكومة في حماية المستهلك ومكافحة الاحتكار؛ نجاح هذه الحملات يعتمد على استمراريتها وعلى مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص.
 
وفي خضم حرب اقتصادية ونقدية مستمرة، تقود الحكومة بمختلف أجهزتها المحلية والمركزية، سباقاً ضد الزمن لتثبيت استقرار العملة الوطنية وضبط الأسواق، من خلال حزمة متكاملة من الإجراءات والقرارات الصارمة.
 
هذه الخطوات، وإن كانت تحمل بصيص أمل في تحسين الظروف المعيشية وحماية الأمن الغذائي، إلا أنها تبقى عرضة للنجاح فقط عبر تطبيق صارم وشامل، يضمن شفافية الإنفاق، ومكافحة الفساد، ومشاركة فعالة من جميع الأطراف المعنية، لضمان إعادة اليمن إلى مسار الاستقرار المالي والتنمية الاقتصادية.

ذات صلة