فاطمة الحريبي.. من رماد الحرب تصنع علماً وأملاً لفتيات الريف اليمني

- الهام الفقي، الساحل الغربي:
- 11:43 2025/07/22
في ريف محافظة تعز المحاصرة بمليشيا الحوثي، حيث تعانق الأرض السماء تقف الشابة فاطمة الحريبي، في الأربعين من عمرها، ريفية بسيطة، طموحة، حالمة، تقول لموقع "الساحل الغربي": إنها أم لفتاتين، حملت على كتفيها مسؤولية إنقاذ مستقبل ليس فقط بناتها، بل آلاف الفتيات اللواتي تهدّمت أحلامهن تحت ركام حرب أشعلتها المليشيا الحوثية.
من النزوح إلى النور
في عام 2015 وسط الفوضى والدمار، أسست فاطمة مشروعها "Non Stop"، وهو مركز تعليمي وتدريبي في قرية حُجَامة - عزلة الضُعة بمديرية الصَّلو. لم يكن المعهد مجرد مكان لتلقّي الدروس، بل تحوّل إلى ملاذ لأرواح تائهة.. قاعات صغيرة، جدرانها مهترئة، وسقف يتسرب منه المطر أحياناً، لكنها لم تكن تُعيق عزيمتها، تقول:
(كنا نستخدم باباً خشبياً قديماً كسجادة للكتابة، وأحياناً نرسم على الأرض بأعواد الخشب).
كان النزوح فاجعة متكررة. الحرب التي التهمت كل شيء حولها دفعتها مع أسرتها للفرار من تعز إلى قريتهم، التي غدت الملاذ الأخير، تقول فاطمة:
(حين عدنا لم تكن القرية كما تركناها؛ كانت مليئة بالنازحين والدمار، لكن فيها أمان نسبي، بعيداً عن قصف المدينة).
في قلب هذا الخراب، باعت فاطمة مجوهراتها الثمينة التي ورثتها عن والدتها، ورهنت قطعة الأرض التي ورثتها عن والدها –تلك الأرض التي تمثل جذور عائلتها– كل ذلك لتأمين نفقات مشروعها الصغير.
(بعت الذهب والحلي، وكان ثمنهما بمثابة وقود النار التي كانت تشتعل في داخلي من أجل تعليم بناتي وبنات القرية).
القصص الإنسانية التي مرت بها كثيرة، منها فتاة صغيرة فقدت والدها في الحرب، جاءت إلى المعهد وحيدة وخائفة، تشد على يد فاطمة بحنان، وبدأت تقرأ مع أول درس.
(كانت دموعها وألمها دافعاً لي للاستمرار؛ لم يكن تعليم القراءة والكتابة فقط، بل كان بعث الأمل الذي انطفأ في عينيها).
كان دعم الأسرة أساسياً خصوصاً والدتها التي لم تتوقف عن تشجيعها، وشقيقها الأكبر الذي كان ملاذها في أوقات الضيق.. أما الدعم الرسمي فكان محدوداً، لكنه جاء من العميد عبدالجليل الحمادي، الذي رغم الظروف الأمنية الصعبة، وفّر لها دعماً لوجستياً وحمى المشروع من الفشل.
اليوم تتعلم الفتيات في المعهد القراءة، واللغة الإنجليزية، واستخدام الحاسوب، وتطوير المهارات الحياتية مثل الخياطة وإدارة المشاريع الصغيرة، بهدف تمكينهن من بناء مستقبل مستقل، اقتصادياً واجتماعياً.
(كل فتاة تخطو عتبة المعهد هي قصة نضال، وكل نجاح يحتفل به المعهد هو انتصار لكل امرأة في الريف اليمني).
ولا تخجل فاطمة من الحديث عن لحظات ضعفها:
(كنت أبكي وحدي في الليل، أصرخ في صمت، أزرع البن والورد في حوش الدار، كأنني أزرع أملاً في حياتي المهشّمة).
لكنها تعلّمت من كل دمعة درساً، ومن كل هزيمة قوة، ومن كل شجرة مزروعة حياة جديدة.
تتذكر فاطمة أيضاً قصة زوجها، الذي ذهب للقتال ثم وقع أسيراً. وعندما عادت هي إلى المعهد، كانت تحمل الكثير من الحيرة والخوف، لكنها لم تتوقف.
(اليوم، تلك الفتاة التي كانت تائهة، تعمل متطوعة، تنير دروباً للآخرين).
وحلمها؟ لم يعد مجرد حلم شخصي، فقد تجاوز حدود القرية والمديرية، ليصبح صوتاً نسوياً من الريف اليمني إلى العالم، تختتم فاطمة برسالة وطنية:
(أريد أن أكون صوت المرأة الريفية في المحافل الدولية، أروي قصصنا، أحلامنا، وآلامنا، لنغيّر الصورة النمطية التي حُصرت بها المرأة في قوالب ضيقة).