الوحدة والإمامة.. جذر الأزمة ومستقبل التعافي
12:15 2025/05/23
ان المدخل الأهم لحل المشكلات اليمنية الكبرى وفي مقدمتها الوحدة الوطنية الاجتماعية والسياسية، يبدأ من تدمير وهزيمة الإمامة الحوثية كسلطة غاصبة، ووضع التيارات السلالية في مختلف المكونات تحت المجهر والتنبه لدسائسها وآثامها ومكائدها، والتي بالتأكيد ستنسحب مؤقتا وتغير جلودها في حال هزيمة مشروع الحوثي.
الحوثيون الإماميون والوحدة:
ومهما قيل من تحليلات وتفسيرات لأسباب تراجع مشروع بقاء اليمن موحدا فهي مظالم اجتماعية وسياسية انتجتها عوامل غير معقدة وقد عمت اليمن كله وليس الجنوب فقط، وكان يمكن تجاوزها ومعالجتها من خلال اصلاح النظام السياسي. الشيئ الأكثر تعقيدا و المقطوع به ان التيار الإمامي السلالي هو من بذر مشروع الإنفصال في الأساس ونفخ فيه من يوم تحققت الوحدة اليمنية نفسها، وكان منظرو الانفصال سلاليون وفي مقدمتهم عبدالرحمن الجفري وبدر الدين الحوثي ومجدالدين مؤيدي والوزير والشامي (الاشتراكي) والسقاف بالإضافة إلى منظرين حداثيين كثر تسللوا عبر الحركة القومية الى مراكز التوجيه في الحزب. وقد كانت صحف الشورى والأمة وغيرها من الصحف الناطقة بإسم الامامة في كل اعدادها تثير النعرات المناطقية والطائفية وتثير الفتنة، وكان الاماميون هم من يسيطر على اغلب الصحف الحزبية والمستقلة.
وقادة الانفصال سلاليون وفي مقدمتهم الصف القيادي الأول في الانفصال حينها.
ومن خلق الذرائع واوجد الأخطاء لتبرير ولادة مشروع الانفصال سلاليون ايضا، وفي مقدمتهم يحيى المتوكل والسياني والشامي...وغيرهم الخ. فقد كانوا هم من يتحكم في الجهاز الأمني والقضائي والمالي والفكري واستخبارات الجيش وقتها، كما كانوا هم وباشراف الاستخبارات الإيرانية من يوجهون الجماعات الجهادية فكريا بشكل خفي لدفعهم الى ارتكاب افعال خاطئة يتم استثمار نتائجها لتفجير الوضع وتأجيج مشاعر الحرب وخلق ذرائعها، حيث استثمرات ايران في هذا المجال الاستراتيجي (الحركات الجهادية) من مطلع تسعينيات القرن الماضي، وساهمت في دعم القاعدة ماليا واستخباراتيا ولوجستيا، وأسست داعش، بهدف تشويه الإسلام، واستمالة الامريكان والغرب لدعم مشروعها الشيعي بحجة ان المسلمين(السنة خصوصا في بلاد العرب) إرهاب يجب تجفيف منابعه وتدميره من خلال محاربته ودعم البديل الشيعي، وهذا ما حصل بالفعل.
استثمروا الاحداث الاقليمية والتحولات المحلية وقتها ووظفوها لصالح مشروع الإنفصال، وهدفوا من خلال مشروعهم إلى ضرب النظام السياسي الذي ولد عام ١٩٩٠م بإحداث شرخ رأسي وافقي وتفجير حرب إهلية، ومن خلالها يتم ايضا ضرب النظام الإجتماعي بهدف ملئ الفراغ بمشروعهم الإمامي المجرم والقبول به، والذي فشل حينها لسببين:
١/انه لم يكن قد اكتمل نموه ونضجه حينها كما هو الحال بعد ٢٠١١م.
٢/انتصار الطرف الذي كان استثمارهم السياسي والفكري فيه أضعف وظل متماسكا بعد الحرب، مما أزعج نشطاء المشروع الإمامي حينها بشكل واضح كالخيواني والوزير وحسين الحوثي والجفري ... وغيرهم، وظهروا منفعلين أكثر ممن يبدو عليه الطرف الذي كان بحكم نتائج المعركة يفترض انه طرف مهزوم، لأن المهزوم في الحقيقة كان التيار الإمامي لا سواه فهو منتج الفتنة وصانعها.
وجوه جديدة لمشروع واحد.
واستمر نفس المشروع بعد ٩٤م ، بوجوه جديدة واقنعة مختلفة، حيث التحقت الوجوه ذات الطابع الديني والاجتماعي التقليدي بالحزب الحاكم لتمارس مكرها العريض في تظليل السلطة وإغوائها، وانضمت الوجوه الحداثية إلى المعارضة تحت لافتة البحث عن دولة الحقوق والحريات والمواطنة ونفث الأنفاس والنفخ في تابوت الطائفية والمذهبية والمناطقية تحت دعوى تشجيع التنوع والتعدد الذي لا يؤمنوا به اصلا...الخ. استمروا في التنظير للفوضى والمظلوميات المناطقية لتشجيع التشرذم والتمزق وكان من أبرز المنظرين محمد عبدالملك المتوكل ويحيى الشامي وشرف الدين والخيواني وشخصيات كثيرة انخرطوا في مختلف الأحزاب والاتجاهات والمكونات اليمنية، وخرج معظم الانتاج الفكري والسياسي المعارض خصوصا الجريئ والمتطرف من خلالهم، وتخادم السلاليون للوصول إلى نفس النتيجة والهدف المشترك، وطوروا اداءهم بديناميكية نشطة، بين الالتحام مع المعارضة السلمية والمشاركة في ادارتها والدفع بها للوصول الى نقطة اللاعودة، وفي نفس الوقت التنسيق الكامل ودعم الحركة الحوثية المسلحة لمواصلة تمردها وصولا لإسقاط المحافظات بما فيها من مؤسسات للدولة والمجتمع حتى تمكنوا من اسقاط النظام السياسي والاجتماعي في البلاد بشكل كامل عام ٢٠١٤م، وبدو منتشين سعداء بتحقيق حلمهم الذي عملوا على تحقيقه لعقود، مع توظيف نتائج التحولات الاقليمية والدولية، الأحداث المحلية بمهارة.
ومن المفارقات المدهشة ان الحوثي عبدالكريم الخيواني الذي كان أحد أبرز المنظرين للدولة المدنية التعددية الديموقراطية والمؤثرين في خطاب المعارضة منذ عام ٢٠٠١م والمحرضين على التسريع بإسقاط النظام الدكتاتوري العسكري المستبد كما كان يردد، ومن فتح ما سماه ملف التوريث في النظام بجرأه؛ هو من وقف بعد سيطرة الحوثي على العاصمة، وأعلن بإسم الحوثي حل مجلس النواب وحزب الإصلاح وإيقاف العمل بالدستور الديمقراطي واعلان تدشين قيام النظام الحوثي الشمولي الثيوقراطي الكهنوتي بدل الدولة التي كانت تمارس الديمقراطية بأشكال نسبية، ويتشارك في ادارتها يمنيون من مختلف المحافظات في الشمال والجنوب وتقويض مؤسساتها؛ لصالح سلطة الكهنوت الفرد الذي يحكم بلجان ثورية تنحدر من السلالة الهاشمية ومحافظة صعدة فقط.
بعد البيان الذي قرأه الناشط الحداثي عبدالكريم الخيواني بحضور مختلف وسائل الإعلام المحلية والاقليمية والدولية، وبحضور مختلف رجال الدولة ووسط ذهولهم، واصل الحوثي سيطرته على مختلف المحافظات وصولا إلى محافظة عدن.
كان الهجوم الحوثي في الأساس سلالي مناطقي بنَفَس كهنوتي إمامي، وادوات وعقيدة عسكرية وسياسية وامنية ايرانية، يغزو كل منطقة بمن حشدهم من المناطق التي سبق السيطرة عليها وبقيادة سلالية هاشمية من تلك المناطق لإسناد مقاتليه الاساسيين الذين ينحدر اغلبهم من معقله بمحافظة صعدة.
الحوثيون الذي واصلوا الغزو ودخلوا عدن ببجاحة وغطرسة كغزاة مناطقيين متسلحين بالمذهب والسلالة، كانوا هم قبل ذلك اكثر من شجع وناصر الحراك الجنوبي ودغدغ عواطفه، وكان نشطاء الإمامة منذ بداية الحراك عام ١٩٩٧م هم أكثر المتحدثين عن مظلومية الجنوبيين، حتى تطرفوا في المواقف حينها اكثر من الجنوبيين انفسهم. فلم يكن تبنيهم لتلك المظلومية في الحقيقة تعاطفا مع الجنوب او حبا فيه، انما فعلوا ذلك بهدف استغلال مختلف المظالم السياسية والاجتماعية سواء كانت حقيقة أو ادعاء بهدف التسريع في رفع مستوى سخونة الصراع، والوصول إلى انهيار سياسي واجتماعي في البلاد يمكنهم من السيطرة عليها.
مدخل التعافي اليمني:
ان زوال الإمامة الحوثية هو المدخل الأساسي للتعافي من كل المشكلات والآلام والمصائب التي حلت باليمن كل اليمن، وفي مقدمتها تهديد الوحدة اليمنية وتمزيق اليمن.
فالإمامة وحدها هي من مزقت اليمن وسلمت الجنوب للاحتلال الانجليزي ووقعت معه معاهدات الاعتراف من البداية، وهي من عملت بعد الوحدة على تأجيج الفتن الداخلية ونشر المظالم وتشجيع الفوضى من خلال اذرعها الموزعة بين المكونات المختلفة بغرض إعادة الإمامة "بثوب النبي أو بثوب ماركس" كما عبر عن ذلك الأديب والكاتب المؤرخ يحيى الشامي في ابيات شعرية، وكانوا يشجعون المجتمع على التمرد على مؤسسات الدولة وتدمير مكتسبات الجمهورية بأساليب تفوق الحصر.
والإمامة هي من انقلبت على مخرجات الحوار الوطني التي كانت تمثل مخرج اجتماعي وسياسي وخارطة عبور الى دولة عادلة تلبي طموحات وتطلعات كل اليمنيين في مختلف الأقاليم، خوفا من تفويت الفرصة امام تنفيذ مشروعها الخبيث بعد اقترابه من تحقيق هدفه الظلامي وتوافق كل الإماميين على زعامة الحوثي عام ٢٠١٢م بشكل واضح وعلني والقبول بمرجعية إيران كمصدر للعقيدة السياسية والأمنية والعسكرية عبر الحوثي.
مهما حصل من انتكاسات بسبب الإمامة التي دمرت النظام السياسي والاجتماعي في اليمن ، وما نتج عنه من تهديدات لمختلف الإنجازات التي تحققت وفي مقدمتها الوحدة اليمنية..
سيكافح اليمنيون للخلاص من هذا السرطان الخبيث بعون الله ثم بمساندة الأشقاء الذي لا يسرهم بقاء اليمن تعيساً، مدفوعين بشعور مشترك بالإخاء العربي والإسلامي النقي والصادق، والحرص على تجاوز هذا الوضع الذي يمثل تهديدا للأمن الاقليمي والدولي، الى جانب كوارثه المحليه، وستتلاشى مختلف المهددات الوطنية المحلية بتعافي النظام السياسي والاجتماعي من جديد بإذن الله.
ماذا يعني هزيمة الحوثي:
هزيمة الحوثي والتيار السلالي معناه وضع اجتماعي وسياسي سليم يخلق معه فرصة جديدة لإمكانية إيجاد دولة صالحة لكل اليمنيين يمكنهم في ظلها المضي معا، وتستقر الدولة اليمنية، ويطمئن الاقليم والمجتمع الدولي، وتتحقق المصالح المشتركة للجميع حسب ما هو متعارف عليه في النظام الدولي القائم. بعد زوال كل عوامل وأسباب الفتنة التي كانت الإمامة هي مصدرها ومنبعها الأساسي.
وسيضع اليمنيين امام فرصة حقيقية لبناء الدولة التي يحلم بها كل مكون يمني وتحقق العدالة لكل الأقاليم أن أرادوا المضي سويا.
وسواء بقي اليمن موحدا، او بلغت آثار و نتائج الجريمة الإمامية الى حد تمزيقه، الا انه من المؤكد ان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي أعلنت رسميا في ٢٢ مايو ١٩٩٠م، هو أعظم مشروع سياسي واجتماعي، وأهم حدث وطني تحقق في اليمن بشكل حضاري خلال الألف سنة الاخيرة.