المرأة اليمنية في مرمى الانتهاكات "حقوق تُدهس تحت ركام الحرب"
12:01 2025/05/23
وسط أزيز الطائرات وهدير المدافع، تقف المرأة اليمنية شاهدة على مشهد مروّع من الانهيارات المتتالية ليس فقط في البنية التحتية والاقتصاد بل في القيم والحقوق الإنسانية الأساسية، فقد تحولت الحرب في اليمن إلى طاحونة لا ترحم، تطحن الجميع بلا تمييز، غير أن النساء نلن القسط الأكبر من الانتهاكات، ليصبحن في مرمى الاستهداف المزدوج: عنف الحرب وعنف المجتمع؛ ومنذ اندلاع النزاع المسلح في اليمن تصدعت حياة آلاف النساء وفقدن الأمان الذي كان هش أصلاً، فقد سُجلت حالات متزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، خاصة في المناطق الخاضعة لجماعة الحوثي، حيث غابت الدولة وحلت محلها جماعة لا تعترف غالباً بحقوق الإنسان، ناهيك عن حقوق المرأة، فالتقارير الحقوقية تكشف عن تصاعد حالات الاغتصاب، والزواج القسري، والزواج المبكر، والتحرش، والإقصاء من التعليم والعمل، وهي انتهاكات لا تُوثق جميعها بسبب الوصمة الاجتماعية والصمت المفروض قسراً حيث لا يقتصر العنف على الأذى الجسدي، بل يمتد إلى التدمير الممنهج لفرص الحياة، آلاف النساء فقدن أزواجهن، وتحولن إلى معيلات لأسر ممتدة في ظل اقتصاد منهار وغياب الدعم، حيث تجد المرأة نفسها أمام خيارين: التسول أو العمل في ظروف استغلالية مهينة، وهناك الكثير من النساء اللاتي يلجأن للعمل في تنظيف المنازل بمدن النزوح، ويتعرضن لكثير من الاستغلال والتنمر والإهانة، لكنها تصر على تحمل ذلك لتطعم أطفالها الثلاثة.
وفي مناطق الصراع أصبحت المدارس هدفاً عسكرياً مما أدى إلى تسرب الفتيات من التعليم، وايضاً للوضع الاقتصادي السيء للاسرة دور كبير الذي دفع بعض الاسر لتزويج بناتهم دون السن القانوني والبيولوجي وهذا الزواج السريع ينتج عنه عادة تفكك اسري سريع أي يعقبه الطلاق والضياع؛ كذلك المرأة اليمنية الناشطة بدورها لم تسلم من القمع كثيرات من المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات الإعلاميات تعرضن للتهديد، والاعتقال التعسفي بل حتى للاختفاء القسري، فهناك إحدى الصحفيات الشابات أُجبرت على التوقيع على "تعهد بعدم النشر"، بعد أن كتبت عن قضية فساد تمس أحد المشرفين الحوثيين، وهناك من فُرضت عليهن الإقامة الجبرية غير المعلنة، حيث يُمنعن من مغادرة منازلهن أو التواصل مع الخارج
وإذا كانت الحروب تُقصي النساء عادة من مراكز القرار فإن الحرب في اليمن دفعت النساء خارج كل مشهد، نادراً ما نُظر إليهن كمشاركات فاعلات في جهود السلام، رغم أنهن الأكثر تضرراً، هناك بعض المبادرات النسائية المحلية حاولن المساهمة في إعادة بناء السلام المجتمعي، لكن لم تلقَ الدعم السياسي أو الإعلامي الكافي، في مجتمع ما زال يُصر على تهميش المرأة؛ ورغم كل هذا الألم لم تستسلم المرأة اليمنية كثيرات وجدن في العمل الإنساني متنفساً ومساحة للنضال، هناك الكثير من النساء يعملن في الخفاء يقدمن المساعدات يرعين النازحات ينظمن حملات توعية صحية، ويزرعن الأمل وسط الأنقاض، وشعارهن " نصنع الحياة من قلب الموت"
حقيقةً الحرب نزعت من المرأة اليمنية أمنها وحقوقها، لكنها لم تنزع منها صوتها الداخلي ذلك الصوت الخافت أحياناً والصاخب حيناً آخر، الذي يرفض الانكسار، ويصر على البقاء، لقد أصبحت معركة المرأة اليمنية مزدوجة: مقاومة قسوة الحرب، ومواجهة عوائق مجتمع يرفض تمكينها، وما لم يُؤخذ صوت المرأة اليمنية بعين الاعتبار في أي عملية سياسية قادمة ستظل العدالة منقوصة وسيبقى السلام هشاً لا يُكتب له الثبات.